مقاربة تفكيكية لرواية (شموس الغجر) لـ حيدر حيدر في مقابل رواية (الأشياء تتداعى) لـ النيجيري تشينوا أتشيبي
الملخص
تتمحور هذه الدراسة حول مقاربة نموذج روائي سوري في مقابل نموذج روائي عالمي، من وجهة نظر ما يُعرف في الدرس النقديّ المعاصر بالتفكيك، وفيها انطلق البحث من التعريف بالنظرية التفكيكية؛ للوصول إلى تحليل النماذج الروائية في ضوء هذه النظرية النقدية، ومعرفة مدى قدرة الروائي على إيصال رؤاه الفكريّة والإنسانيّة من خلال بناه السردية.
مقدمة
ليست الرواية سرداً فحسب، بل طريقة في الرؤية، ومنهجاً في معاينة الوجود؛ ولأنها كذلك فهي تثوير جذري لفكر الكاتب وعلاقته بالعالم وموقعه منه وبإزائه.
لا تغير الرواية اللغة، ولا تغير المجتمع؛ لكنها بصرامتها، وإصرارها على الاكتناه المتعمق، والإدراك متعدد الأبعاد والغوص على المكونات الفعلية للشيء، والعلاقات التي تنشأ بين هذه المكونات، تغير الفكر المعاين للغة وللمجتمع، وتحوّله إلى فكر متسائل قلق متقص، فكر جدلي شمولي في رهافة الفكر الخالق وعلى مستواه من اكتمال التصور والإبداع؛ ولأنها كذلك يستحيل بعدها أن نرى العالم ونعاينه كما كنا نراه قبلها.
بهذا التصور وبالإصرار عليه، يكون هذا البحث طموحاً لا إلى فهم عدد محدد من النصوص والظواهر في نماذج روائية مختارة، بل إلى أبعد من ذلك بكثير، إلى وصف نسبي للأدب الروائي في معاينته للثقافة والواقع.
أولاً: الإطار المنهجي للبحث
اتبع البحث المنهج التفكيكي، إذ جسدت هذه النماذج الروائية المختارة النزعة التفكيكية في مفاصلها الأساسية، وجزئياتها الرئيسة من خلال الانتقال من المركز إلى الأطراف، ومن الأطراف إلى المركز، وإعادة التأويل لكل الأحداث، وليس ذلك كلّه سوى مبادئ الفلسفة التفكيكية.
ويقوم التفكيك عند الروائي في مجال الرواية كما هو عند الناقد على السواء، على آليات الهدم والبناء من خلال القراءة، فالروائي يقوم بهدم عالمه القصصي وإعادة بنائه مرة أخرى من أجل بناء وحدته السردية، وتسليط الضوء فقط على النقطة المركزية التي يعدّها بؤرة الأحداث، وهذه النقطة تكون في الغالب نقطة هامشية ثانوية، ولكن الروائي يجعل منها مركز الأحداث، فيعيد قراءة عالمه السردي انطلاقاً منها، فهو لا ينقد المركز بل ينقد التمركز لفكرة معينة.
- أهمية البحث
التفكيك في النص الأدبي: هو إظهار الاختلاف داخل بنية النص الأدبي بإرجاعها إلى عناصرها ووحداتها المؤسسة لها؛ لمعرفة بنيتها ولمراقبة وظيفتها وما يؤشره ذلك من تعدد وتشتت بإزاحة مركزية الثنائيات الميتافيزيقية؛ لذلك لا يمكن تقديم قراءات نقدية جادة حول الرواية المعاصرة بعيداً عن إبراز تأثير الاتجاهات الفلسفية المختلفة فيها، واستعمال مناهج النقد الفلسفي للأدب بشكل موسع؛ ليشمل كل الإبداعات الحقيقية في الأدب (العربي أو المترجم إلى العربية) الحديث والمعاصر، فالروائي في البداية والنهاية فيلسوف يقدم رؤيته الفلسفية الخاصة على شكل حكاية سردية، تعكس تصوره لفكرة سياسية أو اجتماعية أو ثقافية، فتأتي الرواية محملة بنزعاته الفكرية واتجاهاته الثقافية وتجسيداً لهما، فهناك اقتران واضح بين الفلسفة والأدب على مدى تاريخ الأدب قديمه وحديثه على السواء.
- مصطلحات البحث
2_1: التفكيك- deconstruction
التفكيك كما جاء فيمعجم مصطلحات الثقافة والمجتمع “التفكيك استراتيجية للتحليل النقدي، تقترن بعمل الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، وبتجمع من نقاد الأدب في الولايات المتحدة، كان أبرزهم بول دو مان ] وجفري هارتمان وهيليس ميلر وآخرون [ … والتفكيك طريقة في العمل من خلال حركة مزدوجة: فمن ناحية هو قلب أو عكس للتراتبات الثنائية غير المتناسقة في الفكر الميتافيزيقي (الواحد/ الكثير، المطابق/ الآخر، الجوهر/ العرض، الكلام/ الكتابة، المركز/ المحيط…) بطريقة تسمح بتسجيل الاعتماد التكويني للطرف الأكبر على الأصغر، ومن ناحية ثانية حركة بمعزل عن إطار العمل الذي تحدده هذه المصطلحات، (وتظل فاعلة حين تتعطل علاقتها) إلى تعليق مؤقت دائماً لقوتها([1])“.
هذه النظرة التي يقدمها المعجم هي نظرة نقدية، تنظر إليه على أنه منهج نقدي بحت، في حين يرى عبد العزيز حمودةأنّ التفكيك ليس مجرد منهج نقدي، وإنما هو استراتيجية تنطلق من موقف فلسفي مبدئي قائم على الشك، وأن التفكيكيين قد ترجموا هذا الشك الفلسفي نقداً مهمته رفض التقاليد، ورفض القراءات المعتمدة، ورفض النظام والسلطة من ناحية المبدأ ([2]). ويشرح دريدا أهم منظري التفكيك مبدأه من خلال نظرته للنص، إذ يقول: “فأنا لا أتعامل والنص (أي نص) كمجموع متجانس، ليس هناك من نص متجانس، هناك في كل نص حتى النصوص الميتافيزيقية الأكثر تقليدية قوى عمل هي في الوقت نفسه قوى تفكيك النص، هناك دائماً إمكانية؛ لأن تجد في النص المدروس نفسه ما يساعد على استنطاقه وجعله يتفكك بنفسه ([3])“.
فالتفكيك حسب رؤية دريدا هو: استحداث مجموعة مفاهيم لقضية الهوية والاختلاف من حيث علاقة كل منهما بالآخر عبر تحليل النصوص ([4])، وهو اعتماد الاختلاف كمصدر متعالٍ لا يخضع لشروط سابقة ولا يمكن الذهاب أبعد منه؛ لذلك فهو أصل دون مركز يعود إليه. فهو ليس عملية نقدية يقوم بها ناقد عند دراسته نصاً ما، وإنما هو عملية واقعة بذاتها، فكل نص يحمل في طياته ما يجعله يتفكك حسب ما قال دريدا.
2_2: الرواية- novel
“الرواية نمط أدبي دائم التحول والتبدل، يتسم بالقلق بحيث لا يستقر على حال([5])” ، وفي السياق ذاته يؤكد باختين واصفاً الرواية بأنها: “المرونة ذاتها، فهي تقوم على البحث الدائم وعلى مراجعة أشكالها السابقة باستمرار، ولابدّ لهذا النمط الأدبي من أن يكون كذلك، لأنه إنما يمد جذوره في تلك الأرضية التي تتصل اتصالاً مباشراً بموقع ولادة الواقع([6])” حتى المقاربة التصنيفية لأنماط الرواية تعترضها عوائق عدّة؛ لأن النماذج الروائية تبلغ من التعدد والكثرة حداً يعسر معه العدّ والحصر؛ وقد تبدى هذا التعدد منذ أولى مراحل تطور الفن الروائي.
المبحث الأول: المطابقة والاختلاف في رواية (شموس الغجر) للروائي السوري (حيدر حيدر)
انشغلت رواية شموس الغجر للروائي السوري (حيد حيدر) بإماطة اللثام عن قضية جوهرية إشكالية وهي العلاقة بين الأنا والآخر، إذ سعت الرواية إلى تجسيد هذه الإشكالية من خلال تبيان نمط العلاقات السائدة بين الأنا والآخر(المحلي)، فالأنا / الساردة /الأنثى طرحت رؤاها وأفكارها وهواجسها ووضحت المسار الثقافي والفكري والنفسي للآخر المحلي بصوره وأشكاله المتعددة؛ لذلك يحاول المبحث الوقوف عند إشكالية العلاقة بين الأنا والآخر، تلك العلاقة التي تتمحور حول الأنا الساردة/ الأنثى التي تضعها الحياة في مواجهة الأخر الشرقي المحلي ممثلاً بالأب والأخ والصديق.
الخصوصية التي تحتفل بها رواية (شموس الغجر) تكمن في مساءلتها لإشكالية الأنا والآخر برؤية ونسق مغايرين، فالأنا والآخر في هذه الرواية هما الشرق بشخصياته وبيئاته وأفكاره، والأنا الشرقية تطرح إشكالية الوعي بالهوية وثباتها في مواجهة الآخر الشرقي أو المحلي، فلا حضور للآخر/ الغرب إلا في أفكار الأنا/ الشرقية ولا مطابقة مع الآخر/ الشرقي ولا انتماء له.
1_1: مركزية الأنا و تهميش الآخر: تكرس رواية شموس الغجر لنزعة فكرية وسردية، تقوم على مبدأ التمركز حول الذات، هذا المبدأ يستحوذ على راوية اسم الشخصية الأنثوية الرئيسة، فلا نكاد نرى النص إلا من خلال حديث راوية عن ذاتها وعن الآخرين، إذ تتشكل بدايات الملامح الأولى ل (أنا) (راوية) وللآخر المتعدد من منظور (راوية) نفسها، فتقول: “إذ استهل حكايتي باسم راوية، فأنا لم أختر هذا الاسم، والدي سماني به في ليلة قمرية([7])“، إذن تتمركز راوية حول ذاتها وتحضر بقوة وتفرد وهيمنة من خلال دلالة الاسم الذي يدل على فعل السرد الطاغي، فراوية تعمق التفافها حول ذاتها، فتزدحم الأسئلة وتتشعب حول ما جرى لها وما سيجري، الأسئلة المتراكمة في فضاء الآخر- الرجل/ الأب وتحولاته الإيديولوجية والدينية/ الأخ بعنفه الذكوري/ الصديق الفلسطيني ماجد زهوان. إذ تصور راوية ذلك الأخ وريث التسلط الذكوري، فتقول: “هذا الديك الرومي، سيتحول مع الزمن ومن خلال الحرية التي مُنحها من الأب إلى طاغية الأسرة خلال وجوده في الإجازات، سيتخذ قرارات تكاد تمحو من الوجود شخصية الأب([8])“. أمّا الصديق التائه بين الذات الفلسطينية والتاريخ العربي المأزوم فتقول عنه: “بعد أن شبّ عن الطوق، بوغت ذات يوم بأنه بلا أب، الأم تعمل في بيوت الآخرين متهمة ببيع جسدها؛ لتحيا مع ابنها…سمع ما يكفي من المهانات الذاتية والوطنية ([9])“. أمّا الأب فتقول عنه: “كان يتبدى لي إنساناً شبه مزعزع منقسم على نفسه هناك في المناطق الظليلية بين النور والظل وزائغاً بين ما كان وما هو الآن في هذا الضباب الرمادي المُعشي للبصر ([10])“. فالأب اختار التحليق في عوالم بديلة بعد تحوله عن اليسارية، فلجأ إلى الزهد والتصوف.
نلاحظ احتفاء المشاهد السابقة بالآخر/ المحلي (الأب/ الأخ/ الصديق)، ولكنه احتفاء موجه من نقطة تمركز واحدة لا غير، فالآخر من مركز أنا / راوية أضعف من أن يتكلم ويسمع الآخرين صوته، فارتأت تهميشه وإضعاف صوته، فلم يظهر إلا من خلال رؤاها وأفكارها وكلامها.
1_2: الأنا و الآخر/ المطابقة والاختلاف: في ظل اتساع الهوة وازدياد الحجب بين الأنا والآخر، تعلو أوجاع الانتماء والهوية، وتزداد بوضوح مفارقات المطابقة والاختلاف بين الأنا والآخر. إن نص شموس الغجر يؤكد مراوحة الأنا الأنثوية الساردة بين قطبي المطابقة (الانتماء/ الاختلاف) اللا انتماء فكرياً وروحياً، إن أنا/ الساردة تدخل في علاقة مزدوجة مع الآخر يقوم أحد طرفيها على مبدأ التكامل مع الآخر/ الأب والتطابق معه والانتماء والولاء لعالمه الأول عالم الصفاء والنقاء والثبات على المبادئ، ولكنها في الوقت ذاته تواجه في الطرف الآخر هذا الأب معلنةً مخالفتها ولا انتمائها له، كأنها بذلك تصرّح عن انتهاء مرحلة في علاقتها مع الآخر/ الأب وبداية مرحلة جديدة مفارقة لما قبلها.
فكانت العلاقة بين الأنا/ الآخر قائمة على مبدأ المطابقة والانتماء فلا حدود ولا تمايز، إذ تقول راوية عن أبيها في صورته الأولى الأصلية قبل التحول والارتداد: “هو كان أباً في الطفولة ثم صار صديقاً ومربياً وأمثولة في بيئة متخلفة، يعود ميراثها إلى العصور البدائية؛ ولأنه عصامي ومتمرد قبل أن يتزوج، أنشأنا على صورة مثاله الأول، غرس في نفوسنا بذرة الحرية وفكرة بناء الشخصية الداخلية المستقلة ([11])“. عبارة (صورة مثاله الأول) تدل على أن الصورة ستتغير، والمثال الأول سيهتز ويتحول ويرتد عن قيمه ومبادئه الأولى؛ ليبرز التناقض في العلاقة بين الأنا/ راوية والآخر/ الأب.
ثم سَعت راوية إلى تقويض سلطة الأب عبر فعل الهروب وفعل التعويض بالآخر/ الصديق، لكن محاولتها هذه، أدت إلى ضياع هويتها بعد ضياع هوية الآخر/ الأب، إذ تقول متسائلة في الغربة بعد هربها إلى جزيرة صقلية الذي تمخض بوصفه ردة فعل على محاولات التسلط والتدجين من طرف الآخر (الأب/ الأخ) المزدوج الصورة (الديني والذكوري): “في الأزمنة القادمة كطفل دائرة الطباشير القوقازية سأنقسم بين أبوين: ابنة الرحم والميراث، وابنة الوعي والحرية، وحين طرح السؤال عليّ: إلى أين؟ ولمن أنتمي؟ اخترت الخروج من الرحم وحنين الدم ([12])“. إنها الأنا المقيدة بين الانتماء ونقيضه والمطابقة فهي في فضاء البين وخارجه في الوقت ذاته. “في بلاد الشرق العربي والإسلامي ثمة عالمان شبه مفصولين داخل البيت والمجتمع: عالم الرجال المفتوح، وعالم الحريم المغلق، وفي ما ندر لا تحدث المواجهة لاسترداد الحرية الأنثوية صرخة العدالة في وجه الرجل المستبد – بطرك العائلة ([13])“. فتتوشح الأنا بوشاح الانفصال بعد طول المواجهة مع الآخر/ الأخ. فراوية تنفصل عن الأهل بالدم؛ لتنتهي في أحضان الطبيعة لائذة بالبحر، ثم تقول: “وأنا وحيدة الآن عزلاء، وبلا أمل، من أكون أنا! ([14])“.
ثم تسخر راوية من خلال رسم صورة العلاقة بين الأنا الساردة والآخر/ الأخ من تسيد نسق اجتماعي وثقافي، تعلو فيه كفة الذكوري على حساب الأنثوي وجوداً وفكراً وقيمة، إذ تقول “في الشهر السابع بعد خروجه من المعتقل، أصدر الصدر الأعظم بدر الدين نبهان إمام أسرتنا وشيخها الجديد أولى فرماناته الهمايونية المقدسة والمطاعة والتي يمنح فيها الابن البكر وهو الآن طالب ضابط في الكلية العسكرية، حقوق الأب خلال غيابه في الإشراف على شؤون البيت ومراقبة الأسرة ([15])“.
ثم يظهر الآخر/ الصديق، ليس آخراً تخالفه الأنا/ الساردة بمعنى المخالفة الحقيقية، بل نجد الأنا/ راوية تخالفه؛ لتتطابق معه ولتنتمي إليه، حيث تقف الأنا قاب قوسين أو أدنى من حدود الاتصال والمطابقة مع الآخر/ الصديق، لكنها ترجح في النهاية كفة الاختلاف معه، فالأنا تتشبث بالحياة، والآخر يهجس بالموت وتفجير الجسد وعرس الدم؛ لتغيير المصير وافتراض حياة جديدة منبثقة من الموت.
رصدت القراءة السابقة لمعطيات رواية شموس الغجر مراوحة الأنا الأنثوية الساردة في خضم علاقتها بالآخر بين قطبي المطابقة والاختلاف والانتماء واللاانتماء، ففي ضوء العلاقة القائمة بين الأنا الساردة والآخر المحلي نجد أن أقصى طاقات التوتر مع الآخر تدفع بها إلى أتون الاختلاف، ذلك الاختلاف الذي يولد دائماً حنيناً إلى المطابقة والانتماء، هذا الحنين الذي يطفو، ويترسخ، ويتضح من ارتباطه بكثرة عودة الذكريات وتوارد الأحداث عن الطفولة والأيام الجميلة الماضية.
المبحث الثاني: آليات التفكيك والسيطرة / آليات المقاومة والبقاء في رواية (الأشياء تتداعى) للروائي النيجيري تشينوا أتشيبي
سعى هذا المبحث إلى تقديم قراءة في رواية (الأشياء تتداعى)، بوصفها واحدة من أشهر الروايات العالمية التي كُتبت على لسان المستعمَر، وذلك بغية الكشف عن آليات التفكيك والإخضاع والسيطرة التي انتهجها المستعمِر البريطاني إزاء المستعمَر النيجيري خاصةً، والإفريقي عامةً، والتي استطاع من خلالها تفكيك بنية المجتمع القبلي: دينياً وثقافياً، واجتماعياً، مما سهل على المستعمِر إحكام سيطرته على المستعمَر وإبقاءه تابعاً له، دائراً في فلكه، لا انفكاك له عنه.
ويستعرض المبحث إنجازات أتشيبي الأدبية بوصفه أحد مؤسسي الحركة الأدبية النيجيرية الجديدة التي تستمد ملامحها الأساسية من الثقافة المحلية الشفاهية التقليدية، ويشير إلى رواية (الأشياء تتداعى) التي نشرت عام 1959م رداً على السردية الإنجليزية لإفريقيا بوصفها عالماً بدائياً متخلفاً، مثل رواية جوزيف كونراد قلب الظلام؛ ولتصبح هذه الرواية فيما بعد معلماً أدبياً بارزاً في روايات ما بعد الاستعمار، ويبين المبحث في النهاية الآثار المأسوية لآليات تفكيك المجتمع النيجيري وإخضاعه كما رسمتها رواية الأشياء تتداعى.
2_1: إنجازات تشينوا أتشيبي الأدبية: غالباً ما كان يُنظر إلى أتشيبي في الأوساط الأدبية بوصفه الروائي الأول في إفريقيا، وقد أشادت به جريدة الصنداي تايمز التي تصدر في لندن بكونه أحد صانعي القرن العشرين الألف؛ إذ تمثل كتاباته الأدب الإفريقي الحديث، مقدماً بذلك إسهاماً عظيماً إلى الأدب العالمي، كما نشر روايات وقصصاً قصيرة ومقالات وأشعاراً وكتب أطفال، وكانت مجموعته الشعرية (عيد الميلاد في بيافرا) التي كتبها خلال الحرب في بيافرا، الفائز المشترك في أول جائزة لشعر الكومونولث، وفازت روايته (سهم الله) في العام 1965م بجائزة (رجل الدولة الجديد- جون كامبل)، كما دخلت رواية (كثبان النمل في السهل العشبي) منافسة نهائية لجائزة البوكر عام 1987م في إنجلترا.
جرى تكريم تشينوا أتشيبي مرات عدة في مختلف أنحاء العالم، ومنها الزمالة الفخرية للأكاديمية الأمريكية ومعهد الفنون والآداب، فضلاً عن أكثر من عشرين دكتوراه فخرية من جامعات في إنجلترا وإسكتلندا والولايات المتحدة وكندا ونيجيريا. كما حاز أيضاً أعلى جائزة نيجيرية للإنجاز الفكري، وهي “جائزة الجدارة الوطنية النيجيرية”. ومن مؤلفات تشينوا أتشيبي أيضاً رواية (مضى وقت الراحة 1962م) ورواية (رجل الشعب 1966م)، وجمعت قصصه في كتاب تحت عنوان: (بنات في الحرب وقصص أخرى 1972م). ومن أعماله غير القصصية: (الآمال والعوائق: مقالات مختارة وكتاب المشكلة مع نيجيريا)، ومن مجموعاته الشعرية أيضاً (احذر يا أخا الروح) ([16]).
2_2: رواية (الأشياء تتداعى): تدخل رواية أتشيبي (الأشياء تتداعى) فيما يُعرف بأدب ما بعد الاستعمار، وتُعنى نظرية ما بعد الاستعمار ببعدها النقدي بالهوية الثقافية للشعب المستعمَر في أعقاب رحيل الاستعمار وأخلاق هذا الشعب وأوضاعه السياسية والمعرفة الناجمة عن تعاقب المستعمرين عليه؛ كما تُعنى أيضاً بالطريقة التي طُبقت فيها المعرفة الثقافية الغربية لإخضاع الناس غير الأوروبيين في مستعمرات ما يسمى (البلد الأوروبي الأم)، التي تأثرت بعد فترة الاحتلال بالهويات الثقافية للشعوب المستعمِرة، وقد طوّر الشعب بعد التخلص من الاستعمار هوية ما بعد استعمارية من خلال تفاعلات بين أنماط مختلفة من الهوية: ثقافية ووطنية وعرقية وسياسية وطبقية متأصلة في بنى المجتمع الاستعماري. وفي الأدب ما بعد الاستعماري طوّر الأشخاص الذين خضعوا للاستعمار قصصاً معادية للغزو الاستعماري ذات أبعاد اجتماعية وسياسية ومقاومة لثقافة المستعمِر. وقد أسهمت هذه القصص من خلال الدور الذي اضطلعت به في التأسيس لثقافة مقاومة اجتماعية، لِتُظهر السبل التي طور بها المستعمَر كياناً ثقافياً ما بعد استعماري، وللطرق الجديدة التي استخدمها المستعمَر على نحو نشيط في إيجاد علاقة ال نحن وال هم، وهي علاقة اجتماعية ثنائية نظر من خلالها إلى العالم الغربي بوصفه مسكوناً بالآخر.
وقد حاول الخطاب الاستعماري الجديد في بعده الجغرافي -السياسي اختزال الشعوب، التي تخلّصت من الاستعمار وثقافاتها وبلدانها إلى أمكنة مُتخيّلة تُدعى على أساس عنصري “العالم الثالث” أو اقتصادي “البلدان النامية” أو تقني “البلدان المتخلفة”، وتشير هذه التصنيفات من خلال المصطلحات المستخدمة على سبيل عدم الدقة العلمية والاجتماعية إلى خصائص معينة؛ لتنسحب بصورة كاملة على بلدان كثيرة وقارات مثل إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
وتقوم نظرية ما بعد الاستعمار على الزعزعة النقدية للأسس الفكرية واللغوية والاجتماعية والاقتصادية التي يروج لها المستعمِرون؛ بغية تدعيم طرق التفكير الغربية التي يقومون بوساطتها بإدراك العالم وفهمه وبالتالي السيطرة عليه. وبهذا المعنى تفسح نظرية ما بعد الاستعمار المجال أمام أولئك الذين خضعوا للاستعمار في التعبير عن أنفسهم؛ للجهر بأصواتهم من أجل أن ينتجوا خطاباً ثقافياً وفلسفياً ولغوياً واجتماعياً واقتصادياً؛ ليوازي العلاقات الثنائية للقوة غير المتوازنة بين ال نحن وال هم وبين الذوات المستعمِرة والذوات المستعمَرة؛ لذلك يستخدم مصطلح ما بعد الاستعمار المعاصر أحياناً في أثناء الإشارة إلى الفترة الزمنية التالية لانتهاء الاستعمار العسكري والإداري، والذي ينطوي على إشكالية في تطبيقه؛ لأن الفترة السياسية التي أعقبت انتهاء الاستعمار مباشرة غير متضمنة في تصنيفات خطابات الهوية النقدي التي تدرس التمثيل الثقافي، فيأتي نقد ما بعد الاستعمار ليمثلها، ولهذا كان المصطلح يشير إلى العالم الذي تخلص من الاستعمار ظاهرياً ولكنه ما زال عالماً، يمثل حيزاً فكرياً مليئاً بالتناقضات غير المنتهية ومن التفاعلات ولحظات التهجين ([17]).
2_3: آليات التفكيك و السيطرة: استطاعت المؤسسة الاستعمارية البريطانية إحكام سيطرتها على الإفريقي عبر وسائل مختلفة، معتمدة في ذلك على آلتها العسكرية والتعذيب الجسدي لكل من تسوّل له نفسه مقاومة الواقع الجديد فضلاً عن تهميش الآخر وتحقيره، والنقطة التي عملت الرواية على إبرازها بشكل واضح هي قيام المستعمِر على تقويض مقومات الهوية الإفريقية فكراً وعقيدة ونظام عيش، مقدماً البديل الحضاري الجديد المتوافق مع مصالحه الإمبريالية، التي ضمنت لها توريط الآخر/ المستعمَر بعلاقات تبقيه تابعاً غير مستقل عن المركز/ المستعمِر.
تقدم الرواية صورة سلبية مضمّخة بالدّم للمستعمر البريطاني منذ لحظة ظهوره الأولى، فتصدم الرواية المتلقي بقيام البريطاني بإبادة قبيلة (أبامي) عن بكرة أبيها، وذلك عندما أعلم أوبريكا صديقه أوكونكو (الشخصية المحورية)، حينما كان الأخير منفياً إلى قبيلة أخواله بعد أن قتل شخصاً خطأً، يقول أوبريكا: “أتعلم أن آبامي قد انتهت؟ فسأل أوشندو وأوكونكو معاً: كيف كان هذا؟ ظهر الرجل الأبيض في قبيلتهم ….كان يركب حصاناً من الحديد (درّاجة)…جرى أوّل من رأوه من الناس مبتعدين، لكنه وقف يشير إليهم، داعياً إياهم أن يقتربوا ….وهكذا قتلوا الرجل الأبيض، وربطوا حصانه إلى شجرتهم المقدسة؛ لأنه بدا وكأنه سيجري؛ ليدعو أصدقاءه، نسيتُ أن أخبركم بشيء آخر. قال العرّاف: إن رجالاً بيضاً آخرين في الطريق إليهم . قال: إنهم جراد، وإن هذا الرجل الأول هو رسولهم، أُرسل ليستكشف الأرض وهكذا قتلوه .. ([18])“. وحدث بالفعل ما تكهّن به عراف القبيلة، إذ قدم الرجال البيض وذهبوا إلى سوق قبيلة أبامي، وقاموا بإطلاق النار عشوائياً على الناس، فهوى الجميع صرعى، وقد اصطبغت البحيرة بلون الدم([19])، فالمستعمر الأبيض لا يتوانى عن إبادة قبيلة بأكملها سعياً وراء إخضاع القبائل الإفريقية، فتتداعى شخصية المستعمَر أمام المستعمِر الذي لا يقهر بآلته العسكرية وبطشه.
2_4: آليات المقاومة والبقاء: كان تشينوا أتشيبي واقعياً في التعبير عن مرحلة الاستعمار الأوروبي لبلده نيجيريا خاصةً؛ لذلك كان تركيزه منصباً على إبراز الممارسات التي انتهجتها المؤسسة الاستعمارية الأوروبية في الإخضاع والسيطرة، وعلى الرغم من غياب المقاومة الجماعية المنظمة، إلا أن الرواية تسلط الضوء على شخصية أوكونكو الذي استشعر خطر الرجل الأبيض منذ البدايات، حينما كان منفياً عند قبيلة أخواله، التي لم ترغب في مقاومة الرجل الأبيض، أمّا قبيلته أوموفيا “يحزّ الحزن بشدة في نفس أوكونكو، ولم يكن حزنه حزناً شخصياً فحسب. حزن على العشيرة، التي كانت تتفكك وتتداعى، وحزن على رجال أوموفيا الشّجعان المحاربين، الذين أصبحوا دون سبب واضح في لين النساء ([20])“.
يمكن القول: إن الرواية تقوم على ثلاثة محاور رئيسة، الأول منها: يقوم على تقديم صورة واضحة وجلية للحضارة الإفريقية قبل الاستعمار، فبدت حضارة مفعمة بالحيوية والحركة والعنفوان، إذ كانت القبيلة اللبنة الرئيسة في المجتمع، ففيها يعيش الفرد وإليها يكون انتماؤه وولاؤه، من هنا كانت العلاقة بين أفراد القبيلة الواحدة علاقة حميمية، تقوم على التآزر والتكاتف والاتّحاد، ولما كان هذا واقع حالهم، استحدثت القبيلة الإفريقية روابط وثيقة تجمع بين أفرادها، وقد ظهر ذلك عبر الطقوس والعادات والتقاليد، كما أنه تسرّب إلى الفكر والمعتقد، وتنبثق أهمية هذا المحور في الرد على الخطاب الغربي الذي رسم صورة مشوّهة للعالم غير الأوروبي، وما كان ذلك إلا تسويغاً خفياً حيناً ومعلناً في حين آخر رغبة في السيطرة على تلك البلاد؛ لتخليص شعوبها من رجعيّتها والوحشيّة التي هي جزء بنيوي من تكوينها كما يدّعون، فكان الخطاب الرّوائي ردّاً من الأطراف إلى المركز، وقد جاء ذلك على لسان المستعمَر نفسه، لا بلسان مستعمِره.
أمّا المحور الثاني الذي عملت الرّواية على تجليته بوضوح، فهو الكشف عن آليات الإخضاع والسيطرة التي اعتمد عليها المستعمِر الأبيض من أجل تفكيك بنية المجتمع من الدّاخل، عقديّاً واجتماعياً، إذ عمل على تفكيك النّظام الاجتماعي، فانقسمت القبيلة على ذاتها، وذلك عبر وسائل إخضاع رهيبة، استطاع من خلالها بالفعل إحكام سيطرته على إفريقيا، معتمداً في ذلك على آلته العسكرية التي أهّلته لدخول البلاد بالقوة وإنشاء حكومات يديرها وفقاً لمصلحته الإمبريالية. كما عملت المؤسسة الاستعمارية على اختراق الإفريقي من خلال المؤسسات التبشيرية الكنسية التي كانت ذراعاً ثقافياً فعالاً، فمن خلالها تداعت القبيلة، وانقسمت الأسرة بين تابع لدين المستعمِر الجديد ومتمسك بآلهة الأسلاف.
“قال: لقد أرسلنا هذا الإله العظيم؛ لنطلب إليكم أن تتركوا طرقكم الشريرة، وألهتكم المزيفة، وتتجهوا إليه، لكي تخلدوا عند موتكم…وبعد الترتيل، تحدث المترجم عن ابن الله؟!! الذي يدعى يسوع المسيح.
– لقد قلت بفمك: إنه لا يوجد سوى إله واحد، والآن تتحدث عن ابنه، لابدّ أنّ له زوجة إذن
– لم أقل: إن له زوجة
– ….
– تجاهله المبشر، واستمر في الحديث عن الثالوث المقدس ([21])“.
وقد نوّع المستعمر في أساليبه حتى استطاع أن يسلخ الإفريقي عن منظومته الثقافيّة، وذلك عبر اللين حيناً، من خلال تقديم بعض الهدايا والأعطيات، أو عن طريق التسخيف والسّخرية من سذاجة دين الأسلاف المبني على الشعوذة واللاجدوى، كما عمل المستعمِر على استغلال حاجات القبيلة بعد أن ارتبطت الكنيسة بمؤسسات تعليمية تابعة لها، فصارت مرتكزاً للحصول على الوظائف والامتيازات، “إن قادة البلد في المستقبل سيكونون رجالاً ونساء قد تعلموا القراءة والكتابة، فإذا امتنعت أوموفيا عن إرسال أطفالها إلى المدرسة، فسيأتي أغراب من أماكن أخرى ليحكموهم …وأخيراً بدأت حجج السيد براون تأتي بنتيجة، جاء عدد أكبر من الناس؛ ليتعلموا في مدرسته، وشجّعهم بهدايا من القمصان والفوط …كانت بضعة شهور كافية، بأن تجعل المرء أحد رسل القضاء، أو حتى كاتباً في المحكمة، أما أولئك الذين بقوا مدّة أطول، فأصبحوا مدرّسين ….أقيمت كنائس جديدة في القرى المجاورة ومعها بضع مدارس، منذ البداية سار التعليم والدين جنباً إلى جنب ([22])“. وتتجلّى أهمية هذا المحور في كشف النقاب عن الممارسات الاستعمارية الأوروبية، فنجحت الرواية في إظهار الرجل الأبيض على حقيقته، وتحطيم الصورة المثالية التي دأب على تقديمها للعالم؛ ليجد المتلقي نفسه أمام مستعمِر استثنائي لا يرحم، ومستعمَر مُستلب بعد أن تداعت مقوّمات هويّته التي كان معتزاً بها ذات يوم.
أما المحور الأخير، فيركز على إبراز ما قام به المستعمَر رفضاً ومقاومة من أجل البقاء، إلا أن هذا الجانب كان ضعيفاً، إذ كانت المقاومة ضعيفة، ولم ترتق إلى مستوى الممارسات الاستعمارية، فكان رفضهم معتمداً على معتقداتهم، إذ آمنوا أن الأرواح الشريرة هي التي ستتكفل بإبادة الرجل الأبيض، وأن الآلهة التي يدينون بها ستعمل على إفناء كل من أساء إليها، وعلى الرغم من عدم تحقق ذلك، إلا أنه لم يظهر وعيّ جمعيّ، تجسّد مقاومةً حقيقيةً فاعلةً في صدّ المستعمر، من هنا لم تكن الجهود الفردية قادرة على تغيير معطيات الواقع الجديد؛ لذلك تعدّ جهود أوكونكو هي الأكثر رفضاً للمستعمر، والأشد تمسكاً واعتزازاً بتراث القبيلة وطقوسها، إلا إنه اختار الموت انتحاراً، بعد تيقّنه أنه عاجز عن تغيير الواقع الجديد، كما أنه لا يمكن أن يرضى به. وتظهر المأساوية في الحوار الذي دار بين الحاكم البريطاني ومرافقيه الذين جاؤوا للقبض على أوكونكو وبين صديقه أوبريكا، الذي طلب من الحاكم البريطاني أن يقوم جنوده بإنزال جسد أوكونكو المعلّق على الأرض:
“- لماذا لا تنزلونه أنتم بأنفسكم
– إن هذا يتنافى مع عاداتنا، فقتل الشخص لنفسه مكرهة. يعدّ معصية ضد الأرض، ولا يدفن الرجل الذي يرتكبها أهل عشيرته، فجثته شريرة لا يلمسها إلا الأغراب، وهذا هو السبب في أننا نطلب من رجالك أن ينزلوه؛ لأنهم أغراب.
استدار أوبيريكا الذي كان يحدق بثبات في جثة صديقه المدلاة فجأة إلى الحاكم وقال بوحشية:
كان ذلك الرجل من أعظم رجال أوموفيا، لقد دفعتموه ليقتل نفسه، وسيدفن الآن ككلب، وارتعش صوته وخنقته العبرات“([23]). من هنا ستظل رواية الأشياء تتداعى علامة فارقة في آداب ما بعد الاستعمار، إذ تمكنت من الكشف عن طبيعة العلائق المعقدة بين المستعمَر والمستعمِر، كما تكمن أهميتها في منح العالم فرصة للاستماع إلى المستعمَر نفسه.
الخاتمة
- التفكيك – بمعنى ما – يقوم على رفض المتعاليات التي يرى أنها تحجب المعنى وتكبته، فهو يعمل على تفكيك نصوص لكي ينتج أخرى.
- يعد الاختلاف في النماذج الروائية المختارة جوهراً مهماً للمعرفة لدى دريدا، فهو يحتوي على عملية إرجاء بلا استقرار؛ لأنها تكون مؤجلة دائماً من خلال عملية التعبير.
- يميل دريدا إلى عدّ الإبداع الحد المتواصل والانتهاك للقيم الثابتة والتقليدية، وهذا ما نجده في النماذج الروائية المختارة.
- تعمل القراءة التفكيكية على بلورة أفق فكري بنائي جديد، ينسجم مع فلسفة التفكيك وطروحات دريدا في تحليله للبنى المعرفية والثقافية والأدبية وانعكاس ذلك على طبيعة الرفض القطعي للأنساق التقليدية السائدة في الأدب.
- يقترن المنهج التفكيكي بإشغال الثنائيات المركبة مثل (الحضور، الغياب)، (المشافهة، الكتابة)، (العقل، العاطفة)، (المعنى، اللامعنى)، فضلاً عن اهتمامها بمفاهيم الإضافة، الانتشار، أو التشتيت، والأثر، والاختلاف.
- يكون التعقيد والغموض في النماذج الروائية المختارة طابعاً مميزاً للتفكيكية والتي تستند على ضرورة الإحساس بالتجدد، وضم المتناقضات، وإثارة الشك والتحرر من قوى الجاذبية النص.
- عمدت القراءة التفكيكية إلى زحزحة الأنساق التقليدية في النصوص الأدبية السابقة لها، والانفتاح على طبيعة التغييرات الأدبية والثقافية التي جاءت بها الطروحات المعاصرة.
- تقترح القراءة التفكيكية صياغات استعارية (عند تذكر أحداث الماضي في النماذج الروائية المختارة) تنبثق من تأويل الأفكار اللاعقلانية، والشك في قدرة العقل على إظهار فاعلية الذات؛ لذلك فقد أطلقت التفكيكية العنان لمخيلة الكاتب الروائي في استحضار صور تبتعد عن الحي وتقترب من المتخيل.
إذن من خلال ملامح التفكيك في النصوص الروائية السابقة، نجد أن الروائي سعى في صياغة نصوصه إلى تحقيق حالة من التوازن بين هموم القضايا الاجتماعية وهموم الواقع السياسي المضطرب، وبين الشروط الإبداعية للنص الروائي، هذا مما جعل النماذج الروائية المختارة في تماس مباشر مع الواقع، فقد عبرت عن رصدها للظلم السياسي والاجتماعي، فانتمى أسلوبها إلى الواقعية النقدية.
المصادر والمراجع
- بلال العُمر، خطاب ما بعد الكولونياليّة في أعمال الطّاهر وطّار وتشينوا أتشيبي الروائية، دراسة مقارنة، رسالة دكتوراه، جامعة العلوم الإسلامية، 2015م
- جاك دريدا، الكتابة والاختلاف، ترجمة كاظم جهاد، ط1، دار طوبقال للنشر، المغرب، 1988م
- حيدر حيدر، شموس الغجر، ط2، ورد للطباعة والنشر، دمشق، 2000م.
- طوني بينيت -لورانس غروسبيرغ -ميغان موريس، مفاتيح اصطلاحية جديدة- معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع، ترجمة سعيد الغانمي، ط1، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2010م
- عادل عبد الله، التفكيكية إرادة الاختلاف وسلطة العقل، ط1، دار الحصاد للنشر والتوزيع، دمشق، 2000 م
- عبد العزيز حمودة، المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1998م
- ليلى الصابوني، الأشياء تتداعى، مجلة الآداب الأجنبية، العدد 38-39، سورية، 1984م
- ميخائيل باختين -بي إن ميدفيديف، الأسلوب الرسمي في الدراسة الأدبية، مقدمة ثقافية للشاعرية السوسيولوجية، ط1، مطبعة جامعة هوبكنز، بالتيمور، 1978م
……………………………….
[1]) ) طوني بينيت _لورانس غروسبيرغ _ميغان موريس ، مفاتيح اصطلاحية جديدة- معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع، ترجمة سعيد الغانمي، ط1، المنظمة العربية للترجمة ، بيروت، 2010م، ص 205- 206.
[2]) ) انظر: عبد العزيز حمودة، المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1998م، ص 267.
[3]) ) جاك دريدا، الكتابة والاختلاف، ترجمة كاظم جهاد، ط1، دار طوبقال للنشر، المغرب، 1988، ص 49.
[4]) ) انظر: عادل عبد الله، التفكيكية إرادة الاختلاف وسلطة العقل، ط1، دار الحصاد للنشر والتوزيع، دمشق، 2000 م، ص 66.
[5]) ) روجر آلن، الرواية العربية، ترجمة حصة إبراهيم المنيف، ط1، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1997م، ص7.
[6]) ) ميخائيل باختين _بي إن ميدفيديف ، الأسلوب الرسمي في الدراسة الأدبية، مقدمة ثقافية للشاعرية السوسيولوجية، ط1، مطبعة جامعة هوبكنز، بالتيمور، 1978م. نقلاً عن روجر آلن، المرجع السابق، ص19.
[7]) ) حيدر حيدر، شموس الغجر، ط2، ورد للطباعة والنشر، دمشق، 2000م، ص7.
[8]) ) المرجع نفسه، ص105
[9]) ) المرجع نفسه ، ص121-122
[10]) ) المرجع نفسه، ص62
[11]) ) حيدر حيدر، شموس الغجر، ص9
[12]) ) المرجع نفسه، ص4
[13]) ) حيدر حيدر، شموس الغجر، ص15
[14]) ) المرجع نفسه، ص51
[15]) ) المرجع نفسه، ص57-58
[16]) ) انظر تفصيل ذلك: ليلى الصابوني، الأشياء تتداعى، مجلة الآداب الأجنبية، العدد 38-39، سورية، 1984م، ص6 وما بعدها.
[17]) ) انظر تفصيل ذلك: بلال العُمر، خطاب ما بعد الكولونياليّة في أعمال الطّاهر وطّار وتشينوا أتشيبي الروائية، دراسة مقارنة، رسالة دكتوراه، جامعة العلوم الإسلامية، 2015م، ص 22 وما بعدها.
[18]) ) تشينوا أتشيبي، الأشياء تتداعى، ترجمة: إنجيل بطرس سمعان، ط1، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، 1971م، ص191-195.
[19]) ) المرجع نفسه، ص193-193.
[20]) ) المرجع نفسه، ص245
[21]) ) تشينوا أتشيبي، الأشياء تتداعى، ص200-_203
[22]) ) تشينوا أتشيبي، الأشياء تتداعى، ص242-243
[23]) ) تشينوا أتشيبي، الأشياء تتداعى، ص273_274
إعداد : د. آلاء دياب