–
يستعرض فيلم “Knives Out” حالة طبية غير اعتيادية، حيث يستجوب المحقق (بينوايت بلان) الممرضة (مارتا كابريرا)، وحين تعترف بأنّ “مجرد فكرة الكذب تجعلني أتقيأ” فهي لا تمزح، إنّها كشخصية كارتون بينوكيو، ولكن الكذب يجعلها تتقيأ بدلًا من إطالة أنفها.
هل يمكن أن يوجد مثل هذا النوع من الشذوذ البيولوجي خارج شاشة الفيلم؟ وماذا يحدث لأجسامنا عندما نكذب؟
أظهرت دراسة أجراها عالم النفس روبرت فيلدمان في جامعة ماساتشوستس عام 2002 أنّ حوالي 60% من الأشخاص يكذبون على الأقل مرة واحدة خلال محادثة مدتها عشر دقائق، وتتراوح أكاذيبهم بين 2 إلى 3 كذبات.
إن الميل إلى الكذب صفة متأصلة للغاية في تاريخنا التطوري، ويكتسب الانسان السلوك الماكر في عمر 2-5 سنوات، ويراه بعض علماء النفس على أنّه مفارقة نوعية في النمو الإدراكي. إن العديد من الأكاذيب تافهة ولكنها تقال ليحافظ المرء على سلامته ويشعر بالارتياح، كالمجاملات الكاذبة. في المقابل هناك أكاذيب سيئة للغاية، مثل اتهام شخص ما بارتكاب جريمة أو الكذب على المستثمرين، إذ يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة.
يؤدي الكذب إلى وضع الدماغ في حالة قصوى من التأهب، ويزداد هذا الإجهاد مع حجم الكذبة. لكن لماذا يهتم الدماغ بالصدق؟ كوننا مخلوقات اجتماعية فإن سمعتنا مهمة للغاية وبالتالي يعمل معظم الناس بجد للحفاظ على صورتهم جديرة بالثقة.
الكذب نشاط مرهق، فعندما نكذب تزداد معدلات التنفس ونبضات القلب ونبدأ بالتعرق ويجف ويمكن أن يرتجف صوتنا، وتعد هذه التأثيرات الفسيولوجية أساسية في اختبار كشف الكذب التقليدي (جهاز كشف الكذب).
تختلف قدرة الناس على الكذب نتيجة للاختلافات الجزئية في الدماغ، حيث يفتقر المعتلون اجتماعيًا إلى التعاطف وبالتالي لا يظهرون أي ردة فعل فسيولوجية عند الكذب، يمكن للكاذبين أيضًا خداع جهاز كشف الكذب إذا تدربوا على البقاء هادئين أثناء الاختبار. على غرار ذلك، قد يفشل الاشخاص الأبرياء في الاختبار لمجرد كونهم قلقين بسبب ربطهم بأجهزة تخويفية، لذا فإنّ دقة جهاز كشف الكذب مشكوك فيها.
في المقابل، أثبتت دراسات التصوير الدماغي أنها مفيدة للغاية لمعرفة استجابة الجسم للكذب، حيث تظهر أعراض القلق لأن الكذب ينشّط الجهاز الحوفي في الدماغ. عندما يكون الأشخاص صادقين، تُظهر هذه المنطقة من الدماغ نسبة نشاط ضئيلة، لكن عندما يكذبون تضيء كالألعاب النارية.
مؤخرًا تم سؤال خبيرَين عن ردة فعل مارتا الغريبة، صرحت أخصائية الجهاز الهضمي كارا غروس مارغوليس من المركز الطبي بجامعة كولومبيا أنها لم ترَ من قبل مريضة تعاني من حالة الاستفراغ المزمن بعد الكذب، الأمر ذاته بالنسبة لديفيد جونسون، أخصائي الجهاز الهضمي في كلية الطب في فيرجينيا الشرقية. يقول جونسون: “لم يسبق لي خلال 42 عامًا من خبرتي أن أرى حدوث استفراغ مزمن جراء الكذب على وجه الخصوص”. يذكر كلا الخبيرين ما يسمى بمحور الدماغ الهضمي باعتباره آلية معقولة للتقيؤ اللاإرادي، يشير هذا المحور إلى التواصل ثنائي الاتجاه الذي يحدث بين هذين النظامين الجسميين، مبينًا سبب حصولنا أحيانًا على الفراشات في معدتنا عند التوتر. أوضحت كارا بأنّه يمكن للتوتر الكثير أن يؤدي إلى الغثيان والتقيؤ، وهذا يفتح الباب أمام وجود مثل هذه الحالة لدى من يشعرون بالقلق المستمر.
فضلًا عن التوتر وعدم الراحة على المدى القصير، يؤثر عيش حياة غير نزيهة سلبًا على الصحة. وفقًا لمقالة مراجعة عام 2015، يرتبط الكذب المستمر بمجموعة من النتائج الصحية السلبية المتضمنة ارتفاع ضغط الدم وزيادة معدل ضربات القلب وضيق الأوعية الدموية وارتفاع هرمونات الإجهاد في الدم، وتشير مقالات أخرى إلى أن التأثيرات طويلة الأمد تكون ضئيلة للغاية لأنه كلما شعرنا بارتياح عند الكذب كلما كذبنا أكثر. وتُظهر تجارب تصوير الدماغ أن الدماغ يتكيف مع السلوك غير الصادق، حيث أظهر المشاركون نشاطًا أقل في نظامهم الحوفي عندما كذبوا أكثر، مؤيدين فكرة أنّ كل كذبة تجعل الكذب أسهل. في حال كان ذلك صحيحًا فإن ميل مارتا للتقيؤ بعد الكذب يمكن أن يقل بمرور الوقت حيث يتكيف دماغها مع الكذب.
–