–
حاز بحث في دراسة حاسة اللمس على جائزة نوبل لعلم وظائف الأعضاء أو الطب. ومنحت الجائزة للأستاذ ديفيد جوليوس David Julius في جامعة كاليفورنيا، ولاية سان فرانسيسكو، وزميله الأستاذ أرديم باتابوتيان Ardem Patapoutian في معهد سكريبس للبحوث، وذلك في الرابع من شهر أكتوبر عن بحثهما في الكشف عن مستشعرات الخلايا العصبية المسؤولة عن التعرف على الحرارة والبرودة والضغط.
اكتشف الفائزان بروتينات تدعى بالمستقبلات، تحوّل حَرافة الفلفل الحار والإحتراق بالموقد، والشعور ببرودة المينثول، والضم الناتج عن العناق، إلى إشارات عصبية ترسل إلى الدماغ. إن لهذه البروتينات أهمية حاسمة في عمل حاسة اللمس والإحساس بالألم.
إن الإشادة ببحث أساسي عن اللمس أمر مهم لأنه “وظيفة أساسية للجهاز العصبي، وهي الطريقة التي نتفاعل بها مع بيئتنا” مثلما يقول والتر كوروشيتز، مدير المعهد الوطني الأمريكي للأمراض العصبية والسكتة الدماغية في بيثيسدا بولاية ماريلاند.
ويرى عالم الأعصاب وعضو جمعية نوبل في معهد كارولينسكا، ومانح جائزة علم وظائف الأعضاء أو الطب، عبد المنيرة أن مستشعرات الحرارة تحذر من خطر النار أو البرد القارس، فيما تكمن أهمية مستقبلات اللمس في تحكمها بالإحساس بمكان أجزاء جسمنا في حيز المكان وبدون تلك المستقبلات نفقد القدرة على الوقوف أو لمس ماحولنا والإحساس به” ويضيف عبد المنيرة: التزمنا بالتباعد الاجتماعي طوال العام الماضي، وافتقدنا شعور اللمس، والدفء الذي نمنحه لبعضنا البعض خلال العناق”.
صرح باتابوتيان خلال مؤتمر صحفي أن حاسة اللمس ربما تكون الحاسة التي يحسبها الآخرون من المُسَلَّمات”.
يقول كوروشيتز : “كان العلماء يبحثون عن مستقبلات اللمس والحرارة لسنوات طويلة قبل أن يبدأ الباحثان جوليوس و باتابوتيان بحثهما. وكان الكل يعرف بوجود المستقبلات ولكن لم يتعرف أحد على مكانهما قط، ثم جاء الباحثان الفائزان بطرق ذكية للكشف عن تلك البروتينات المراوغة.
استخدم جوليوس، عالم الكيمياء الحيوية والفسيولوجيا الجزيئية وأمين معهد هوارد هيوز الطبي مركب الكابسيسين، وهو المركب الذي يعطي الطعم الحريف للفلفل الحار، بهدف اكتشاف بروتينات المستقبلات التي تمنح الأشخاص الإحساس بلذوعته. في ذلك الوقت، لم يكن يعلم أن المستقبل TRPV1، يستجيب أيضًا للحرارة، كما قال خلال مؤتمر صحفي، بل جاء هذا الاكتشاف لاحقًا.
قال جوليوس: “انطلقت بعض الإنجازات العظيمة… في الطب عندما تبع الناس فضولهم فحسب، دون أن يعرفوا مسبقًا مدى فائدة ذلك في يوم من الأيام”.
إن هذا البروتين هو قناة أيونية، وهو نوع من البوابات الجزيئية في غشاء الخلية التي تفتح أو تُغلق للتحكم في تدفق الذرات أو الجزيئات المشحونة إلى داخل الخلية أو خارجها. وفي هذه الحالة، عندما يواجه TRPV1 الكابسيسين أو الحرارة، ينفتح، مما يسمح بدخول أيونات الكالسيوم المشحونة إلى الخلية. يطلق هذا الفيض من الكالسيوم إشارات كهربائية ترسل إلى الدماغ للتحذير من الأشياء الساخنة.
أما مدى صغر التغيرات في شكل البروتين لتوجيه رسائل للدماغ بوجود اختلافات صغيرة في درجات الحرارة، كارتفاع درجة حرارة الغرفة بضع درجات أكثر من المعتاد، فهو لغز يأمل جوليوس في حله.
استخدم جوليوس مركب المنثول الذي يتصف بالبرودة المنعشة للكشف عن مستقبل الاحساس بالبرودة TRPM8، (الرقم التسلسلي:2/13/02).
وبعمل بحثي مستقل، اكتشف باتابوتيان، عالم الأعصاب والباحث في معهد هوارد هيوز الطبي، هذا المستقبل في الوقت نفسه.
تمكن باتابوتيان من الكشف عن بروتين مستقبل آخر بعد مرور سنة من نبش الخلايا العصبية في أطباق مختبرية، يدعى PIEZO1 وهو يفتح عند الاستجابة لضغط ميكانيكي.
اشتق اسمه من المفردة اليونانية πίεση بمعنى ضغط، واكتشف الباحث باتابوتيان مستقبلا آخر هو PIEZO2، يمنح الاحساس باللمس(الرقم التسلسلي: 12/4/14).
يتركز مستقبل PIEZO2 على الخلايا العصبية في الجلد التي تدعى خلايا مِركِل التي تستشعر المداعبات واللمسات الخفيفة. (الرقم التسلسلي:12/21/16). كما أنه يساعد أعصاب الرئتين في المحافظة عليهما من الانتفاخ المفرط، وهو مهم لوظائف المثانة والأمعاء أيضًا.
يقول كوروشيتز أن الأطفال الذين يفتقرون إلى PIEZO2 يعانون من مشاكل في التوازن وعدم القدرة على الاحساس بمكان أطرافهم. إذ “عليهم أن ينظروا لمكان أصابعهم عند مد يدهم للإمساك بشيء ما”. وقد يساهم استشعار الضغط غير الطبيعي في الإصابة بالزرق (أحد أمراض العيون) وارتفاع ضغط الدم أيضًا. أما مستقبل PIEZO1 فيساهم في تنظيم مستويات الحديد في الدم.
يقول جاري لوين، الذي يدرس مختبره الفسيولوجيا الجزيئية للإحساس الجسدي في برلين: قد تسهم مستقبلات اللمس والحرارة في عملية الألم، وشركات الأدوية تبذل وسعها لتطوير علاجات جديدة باستخدام هذه القنوات، رغم إمكانية تطور الأدوية.
إذ تكمن العقبة التي تعترض نجاحنا من حقيقة أن الأدوية التي تستهدف مستقبل TRPV1، المسؤول عن استشعار الحرارة تميل إلى التسبب بالحمى. يقول لوين أنّ المستقبلات الأخرى وثيقة الصلة تبشر بنتائج واعدة.
لقد عزز كلا الاكتشافين مجال أبحاث الألم فعلاً، لكننا في الخطوات الأولى وأمامنا طريق طويل من الاكتشافات. ويمكن أن توفر العلاجات القائمة على هذه المستقبلات بديلاً عن مسكنات الألم التي تسبب الإدمان، مثل المواد الأفيونية.
قال باتابوتيان: ولأن مستقبلات اللمس تسهم في العديد من عمليات الجسم، فإن العلاجات التي تستهدفها لابد أن تكون موضعية، مثل رقع الجلد أو توصيل الدواء مباشرة إلى العضو المصاب.
وسيتقاسم جوليوس وباتابوتيان جائزة مالية قدرها 10 ملايين كرونة سويدية، أو أكثر من 1.1 مليون دولار.
كانت الأرقام والهواتف المحمولة غير المدرجة في قائمة الإتصال على وضع الكتم، هذا يعني أن لجنة نوبل اضطرت إلى تعقب الفائزين بالتواصل مع أقاربهم. علم جوليوس بفوزه بالجائزة من خلال أخت زوجته، وتلقى زميله باتابوتيان مكالمة من والده البالغ من العمر 94 عامًا ليعلمه بالخبر. يعلق باتابوتيان: “أعتقد أنه حتى لو كان هاتفك في وضع عدم الإزعاج لا يزال بإمكان الأشخاص المدرجون في القائمة المفضلة الاتصال بك”. ويضيف: “لقد أفضت الأمور إلى استمتاعنا بلحظاتٍ مميَّزة”.
–
ترجمة: طيبة حمد
تدقيق وتعديل الصورة ونشر: تبارك عبد العظيم
المصدر: هنا