مفدي زكريا…شاعر الثورة الجزائرية
الشاعر مفدي زكريا 1908-1977 شاعر الثورة الجزائرية، ومؤلف النشيد الوطني الجزائري(1)، وواحد من أبرز الشعراء العرب المعاصرين، كما أنّه من المؤسسين لاتحاد الكتاب العرب الجزائريين.
كانت ومازالت كلماته تُلهب الجماهير، وتنبض بالحريّة، وتحثّ الشباب على النضال، ودحر المستعمر الفرنسي، لقد أراد وفعل، أراد طرد الفرنسيين، ففعل كل ما يلزم، فانعكست هذه الرغبة الملحة شعراً صادقاً ، يشعُّ لهباً مقدساً.
ليس شعر مفدي زكريا فقط من كان يعبر عن حبّه الشديد لوطنه، بل كانت تضحياته ، إذ سُجن عدّة مرات فداءً للجزائر وسعياً لتحريرها من المستعمر الفرنسي (2). كما كان شعره لسان حال الثورة الجزائرية، إذ واكب شعره الثورة منذ عودته من تونس في 1926م، كما ساند الحركة الإصلاحيّة التي أنشأها علماء الجزائر والتي كانت الخطوة التمهيدية لتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، إذ قام مفدي زكريا بدعم الحركة وأهدافها، كما روّج لمبادئها من خلال النشر في الجرائد التابعة لها، ممّا اضطره أحياناً إلى النشر باسم ديك الجن، وذلك في بعض قصائده التي انتقد فيها السلطة انتقاداً لاذعاً.
كما انضم إلى حزب نجم شمال إفريقيا ومن ثم إلى حزب الشعب الجزائري، وبعد ذلك تولى مهمة رئاسة تحرير مجلة الشعب التابعة للحزب، ومن ثمّ تولى منصب الأمين العام للنشاط السياسي؛ ليقع على إثر ذلك في يد الفرنسيين بعد قيامه مع عدد من رفاقه بمسيرة جماهيرية حاشدة، شارك فيها أكثر من عشرة آلاف مواطن جزائري، جابت شوارع الجزائر وهتفت بـ:
فداء الجزائر روحي ومالي | ألا في سبيل الحرية |
فليحي (حزب الاستقلال) | و(نجم شمال إفريقية) |
وليحي شباب الشعب الغالي | مثال الفدى والوطنية |
ولتحي الجزائر مثل الهلال | ولتحيّ فيها العربية(3) |
وكانت المسيرة في تاريخ (عيد الحرية) الفرنسي، لكنّه في الواقع (عيد القمع الفرنسي)، وكأن الحرية حقٌ مقتصرٌ على الفرنسيين دون غيرهم.
ولقد عبرت القصيدة عن مبادئ حزب الشعب الجزائري (الإسلام ديننا و الجزائر بلادنا والعربية لغتنا)، إذ رفض الحزب صراحةً سياسة التجنيس وكذلك سياسة الاندماج، ونلاحظ أنّ مفدي زكريا حمّل أبياته الشعريّة هذه المعاني، فجاء شعره وطنياً حماسياً ثورياً وكذلك خطابياً.
أمّا قصيدته (فداء الجزائر) وقصيدته (اعصفي يا رياح)، فقد كانا يصدحان في زنزانات المعتقلين الجزائريين، رغم كل محاولات الفرنسيين إسكاتهم، ورغم كل التعذيب والقمع في السجون.
ثمّ صار نشيد (اعصفي يا رياح) نشيد الشهداء بعد اندلاع الثورة الجزائرية المظفرة، إذ كانت أبياته تنبض بالوطنية والدعوة إلى فداء الحرية والاستبسال من أجل الجزائر:
اعصفي يا رياح | واقصفي يا رعود |
واثخني يا جراح | واحدقي يا قيود |
نحن قوم أباة | ليس فينا جبان |
قد سئمنا الحياة | في الشقا والهوان |
أدخلونا السجون | جرّعونا المنون |
ليس فينا خؤون | ينثني أو يهون ….(4) |
لم يقف مفدي زكريا عند هذه القصائد بل واصل يكتب الشعر، الشعر من أجل وطنه فقط، حاملاً شعلة الحرية، مناصراً للمناضلين، مشاركاً معهم في نضالهم وملازماً لهم في كفاحهم.
فقال:
يا فرنسا لاتجهلينا فإنا | قد نهضنا فلا نطيق ركودا |
قد كرهنا حياة ظلم وجور | وسئمنا الخراب والتبديدا |
كف هذي اللجان عنّا فإنّا | قد سمعنا وعيدها والوعودا |
ضاق صدر البلاد يا جبهة الشعب | فهل تنتجين شيئاً مفيدا (5) |
وبعد هذه القصيدة ، قام المستعمر الفرنسي بإغلاق جريدة الشعب، واعتقل رئيس تحريرها مفدي زكريا بتهمة التآمر والعصيان، وخلال السجن استمرّ الشاعر يلهب الجماهير الجزائرية بشعره النضالي، إذ كتب قصائد لـ سجن بربروس الذي كان معتقلاً به.
ومع انشقاق الحركة الجزائرية الوطنية على إثر الخلافات التي عصفت بعد الحرب العالمية الثانية، بقي مفدي زكريا محايداً، حتىّ عاد مجدداً كمجاهد وكشاعر مع انطلاقة الثورة الجزائرية المظفرة في 1954م
ولمفدي زكريا العديد من الدواوين الشعريّة (6) التي أغنت الوسط الشعري الجزائري والعربي. لكنّ قصيدته الموسومة بـ (إلياذة الجزائر(7)) هي أشهر قصائده على الإطلاق. إلا أن عطاء مفدي زكريا لم يقف هنا، بل قدّم للثورة الجزائرية أيضاً نشيد الشهيد، وهو النشيد الذي كان المناضلون الجزائريون المحكمون بالإعدام يرددونه عند صعودهم إلى مقصلة الإعدام (8) ، ومطلع هذا النشيد:
اشنقوني، فلست أخشى حبالاً | واصلبوني، فلست أخشى حديدا |
وامتثل سافرّاً مُحيّاك جلّادي | ولاتلتثم، فلست حقودا |
فمن بطولات الشعب الجزائري كان يستمد ملاحمه الشعريّة، وإنّ إعادة الضوء لهذه النماذج المشرقة من أبطالنا، لهو مطلبٌ ملحٌّ، يعزز الانتماء العربي، ويرسخ الاعتزاز بالأمة في ظل عصرٍ يشهد انحدارها. لقد كان مفدي زكريا مثالاً في انتمائه الوطني، وعلينا أن نسير على نهجه ونبلغ رسالته ونقتدي به، فنعمل على إحياء ماضينا العريق، وأن نصله بحاضرنا، محافظين على شخصيتنا العربية وهويتنا الخالدة.
تحرير: آلاء دياب
الحواشي
- (قسماً) هو النشيد الوطني للجزائر، ولقد تمّ اعتماده رسمياً 1963م بعد تحرير الجزائر، وقد ألفه وهو في سجن سركاجي
- اعتقل عدّة مرات: 1937م ثمّ 1940م ثمّ 1945م ثمّ 1956م
- مفدي زكريا، من وحي الأطلس، منشورات المكتب التجاري، بيروت، ط1، 1975م: 143
- مفدي زكريا ، اللهب المقدس، منشورات المكتب التجاري، بيروت، ط1، 1961م: 84
- جريدة الوطن، تونس، عدد 22 أوت 1927م
- نذكر منها : (ظلال الزيتون) الصادر عام 1965م ، تحدّث فيه عن النضال التونسي، و(اللهب المقدس) الصادر عام 1983م، الذي تحدّث فيه عن النضال الجزائري، و(وحي الأطلس)، الذي يتحدّث فيه عن النضال المغربي.
- إلياذة الجزائر: هي قصيدة مكونة من 1000 بيت ، وقد سعى كل من مفدي زكريا ومولود قاسم نايت بلقاسم وعثمان الكعاك في هذه القصيدة إلى تأريخ أهم الأحداث التي مرّت بها الجزائر منذ فجر التاريخ وحتى نهاية السبعينيات.
- بناء على طلب جبهة التحرير الجزائرية