–
قبل 56 مليون سنة كان هناك حيوان من الثديات يشبه الذئب اسمه باكيسيتس (pakicetus) حيوان آكل للحوم وكان حينها يعتبر (ملك الغابة) فكان هو المهيمن، في وقت ما حدثت شبه مجاعة لهذا الحيوان فكان من الصعب الحصول على الطعام على اليابسة، وعندما يئس من سد جوعه في البر اتجه إلى شواطئ باكستان ليأخذ خطوة تغير مستقبله ومستقبل نسله بالكامل وهي البحث عن طعامه داخل المياه، ومن هنا بدأت الحكاية.
بدأ الحيوان في تعلم السباحة شئيا فشيئا لينتقل للشواطئ والبحار حيث الطعام الوفير والبيئة المتميزة فكان يصطاد الأسماك من البحار ثم يعود بها للشاطئ ثم أصبح أكثر مهارة في السباحة حتى انه يصل للأعماق لتجربة أنواع جديدة من الأسماك والتي تكون عادة أكبر حجما وأكثر تنوعا، وتتطور مهارته في السباحة فيصبح أكثر ثباتا في الماء، واستمرت مهارة السباحة في التطور حتى عجزت إحدى الأنواع عن العودة إلى الشاطئ وأصبحت مائية وهي المعروفة حاليا بالحيتان.
يوجد خمس عائلات للحيتان في السلم التطوري وكل عائلة تعتبر خطوة مهمة في تطور الحيتان من اليابسة إلى الماء ويندرج تحت الخمس عائلات آلاف الأنواع، تبدأ هذه العائلات بذلك الحوت (الباكيسيتس) وتنتهي بالحيتان الموجودة حاليا، وبين هذين توجد العديد من الأنواع، ولكن أيضا بينهما يوجد نقص في الأنواع التي توضح كيف تطورت الحيتان ولكن هذا لا ينفي تطورها، لقد علمنا البداية والنهاية ونريد أن نعرف الأحداث، وهذا ما يقوم به علماء الچيولوچيا من ابحاث واستكشافات لكي يتوصلوا إلى الأنواع المفقودة من السلم التطوري.
دراسة جديدة تم نشرها، حيث قام فريق مصري بقيادة دكتور الحفريات الفقارية بالجامعة الأمريكية (هشام سلام) باكتشاف نوع جديد من أسلاف الحيتان البرمائية في الفيوم عمره 43 مليون سنة وأُطلق عليه (فيموسيتس أنوبيس) الاسم الاول نسبة لواحة الفيوم التي تم اكتشافه عليها، والاسم الثاني نسبة إلى إله الموت عند القدماء المصريين وهذا لما كان يتمتع به هذا الحوت من قوة فك تجعل عضته قاتلة من الوهلة الأولى فكان المفترس الأول للحيوانات آنذاك، والآن لنتحدث عن هذا الاكتشاف العظيم.
عام 2008 اكتشف فريق مصري حفرية في واحات الفيوم ولاحظوا أنها غير اعتيادية ثم قدموها لدكتور هشام ليعطيها لأحد طلابه وهو (عبدالله جوهر) ليقوم بدراستها، كانت الحفرية عبارة عن عظام الجمجمة والفك السفلي والفقرات العنقية والصدرية ومن خلالهم تم رسم توضيحي لشكل الحوت وتوضيح خصائصه التشكيلية فكان الحوت يتميز بفك قوي وحجم هائل وعضلات كبيرة مكنته من الهيمنة على البيئة فكان هو المفترس الأكبر، وهذه الصورة التي رسمها عالم الحيتان (روبرت بيسينكر) (robert nasinker) توضح أنه كان يتغذى على كبار الأسماك مثل سمكة المنشار وحتى القرش كان لا يستطيع افتراسه وهذا كله ما تدل عليه الحفريات المكتشفة بجوار الحوت، وأطراف الحوت القوية تدل على أنه كان سباحا ماهرا، وجسمه الذي يشبه إلى حد ما التمساح والفقرات الصدرية تدل على أنه كان يزحف على اليابسة أيضا.
نأتي هنا لسؤال: ما مكان الفيموسيتس في السلم التطوري للحيتان، وإلى أي عائلة ينتمي؟
من خلال الصفات التشريحية فإن الحوت ينتمي إلى العائلة الرابعة، وتوجد ثلاثة أقسام لهذه العائلة: القسم الأول برمائي بنسب متساوية والقسم الثاني يميل إلى الماء أكثر من البر والقسم الثالث مائي كامل، ومن خلال ميل زاوية الفقرة الصدرية السادسة للحوت، وللوصول إلى أقرب حوت له في العائلة وجد أن هذا الحوت ينتمي إلى القسم الأول من العائلة الرابعة أي أنه برمائي.
هذا الاكتشاف العظيم قد سد فجوة كبيرة في معرفة كيفية انتقال الحوت من اليابسة إلى الماء وأضاف بيانات جديدة لعلم التطور، لذا يجب الافتخار بهذا العمل المصري العظيم.
علم الحفريات كان مقتصراً بصورة كبيرة على علماء الغرب وكانت أسماء الحفريات كلها غربية، فهذا الاكتشاف الذي وُضع كسلم هام من سلم التطور يحمل اسما مصريا وبه طابع مصري قديم وهو اسم (أنوبيس) والذي يمثل الحضارة المصرية القديمة، هذا العمل أضاء نور الأمل في تقدم العلم في مصر والوطن العربي.
–
إعداد: عمرو سليمان
تدقيق وتعديل الصورة ونشر: تبارك عبد العظيم