–
يحب الآباء أن يشعر أولادهم بالرضا تجاه أنفسهم، فيحاولون أن يبالغوا في الإشادة بهم كلما أمكن. وهذا ليس بالضرورة تصرف خاطئ. إذ تظهر البحوث أن مدح الأطفال نافع لهم، فحتى الإطراء على بساطته يمكن أن يكون منبعاً لاعتزاز الطفل بنفسه و افتخاره بها. ولكن، يعتمد حصول ذلك على نوع ما يتلقاه الطفل من عبارات المديح، والمناسبة التي يقال فيها، ومدى تكراره.
تقول المعالجة النفسية جيسيكا فاندروير (Jessica VanderWier): بصفتي معالجة نفسية تتعامل مع الوالدين والأطفال، أرى باستمرار الآثار السلبية للمبالغة في المديح التي يتلقاها الأطفال لقاء مواهبهم وصنيعهم بعبارات من قبيل: “هذا يبدو مذهلاً”، و “أنت وسيم جداً”، و”أحسنت صنعاً”.
لكن ردات الفعل المقتضبة والمبالغ بها تلك تجعل الأطفال يركزون على ما قد يؤذي ثقتهم بأنفسهم. وقد يشعرون بقلق الأداء، فيقول الطفل مثلاً: “لو لم أجب أجابة صحيحة، فأنا غبي”، أو يعتقدون أن قيمتهم تنحصر في مظهرهم، “ماذا لو حسبني الناس أخرقاً في هذا القميص؟، عندها لن يحبوني”.
هل ينبغي أن نمدح أطفالنا في المقام الأول؟ نعم بالتأكيد، ولكن هناك طرقاً صحيحة وأخرى خاطئة في تقديم المديح.
فالآباءُ الذين ينمو أولادهم واثقي النفس، أقوياء العقل، ذوي حماسٍ متَّقد ينبع من دواخلهم يداومون على:
1- مدح العملية:
أي يجب الإشادة بعملية اجتهاد الطفل في حل واجب الرياضيات مثلاً، بدلاً من قدرته الفطرية على حل المسائل الرياضية بسرعة، وبهذا يرجح أن يطور الطفل مواقف إيجابية تجاه التحديات التي تعترضه مستقبلاً.
ففي التسعينيات، درس أستاذ علم النفس في كلية الدراسات العليا في جامعة ستانفورد كارول. س دويك، آثار أنواع المديح. ففي إحدى تجاربه، أخبر مجموعة من الأطفال أنهم ناجحون لأنهم أذكياء، فيما أخبر أطفال المجموعة الثانية أنهم ناجحون لأنهم يعملون بجد.
عندما أعطي أطفال المجموعتين عدداً من الألغاز، رجح أن اختار أطفال المجموعة الثانية لغزاً صعباً، كما وجد دويك أن الإشادة بالعملية جعلهم يشعرون بالثقة تجاه المهمة حتى عند ارتكاب الأخطاء.
2- عدم اتخاذ المديح فرصة للمنافسة:
يحب الوالدان المنافسة، ولا مناص من ذلك!
بل إننا نخبر أطفالنا أنهم أفضل من الآخرين”أحرزت نقاطًا أكثر من كل نقاط فريقك مجتمعة”. غالباً ما يكون المديح مصحوباً بنوايا حسنة، فنحن نرغب أن يشعر أولادنا بالفخر بأنفسهم بالطريقة التي نراهم بها، وأن يدفعهم المديح لأداء الأفضل في المرات القادمة، ولكننا نفعل ذلك بدوافع خاطئة.
فمن غير السليم الوقوع في شرك حلقة مفرغة من المنافسة. فقد يتعلم الأطفال من المقارنة الإجتماعية أن يقيسوا النجاح بناءً على النتائج التي توصل إليها الآخرون.
بل أسوأ من ذلك، فوفقاً للدراسات، يمكن أن يسبب مدح الأطفال بناء على المقارنة، النرجسية، و سلوك استرعاء الانتباه، وضعف قيم العمل الجماعي.
فالمنهج الأفضل هو تشجيعهم لمقارنة جهودهم السابقة بجهودهم الحالية، بدلاً من مقارنتها مع الآخرين.
وهذا يعزز فيهم عادة وضع أهداف بعيدة عن السعي لأن يكونوا أفضل من غيرهم، والتوجه لتطوير أنفسهم.
3- استخدام لغة قائمة على الملاحظة:
فبدلاً من”هذا رائع” قل”أحببت ألوان اللوحة، أخبرني عن سبب اختيارك لها” (هذا يندرج تحت أسلوب مدح العملية).
أو بدلاً من “تبدو كالمحترف في قيادتك للعجلة” يقول الآباء الذين يتمتع أولادهم بالحماس: “كنت نبهاً و حذراً أثناء قيادتك للعجلة، وتابعت القيادة حتى عندما تمايلت وكنت على وشك السقوط، كان تصرفاً مذهلاً”
إن هذه التعديلات البسيطة في اللغة تساعد على شعور أطفالك بالفخر بسبب الجهود التي بذلوها وتزيد من حماسهم في الإقبال على أمورٍ أصعب في المستقبل.
وأخيراً، من المهم توفير بيئة آمنة عاطفياً للأطفال، فعندما يفشل طفلك في اختبار الإملاء، كف عن لومه بأنه كان ينبغي أن يدرس بجد، وتوجيه السؤال إليه، بدلاً من ذلك، أخبره بما يمكن أن يفعله لتحسين النتيجة في المرة القادمة.
ينبغي أن يدرك الأطفال أن بإمكانهم اللجوء لوالديهم عند مواجهة مهمة أو تحدٍ صعب، لا عند نجاحهم فيها فقط.
–