الأسطورة في الشّعر الحرّ
بين الشاعر الإيراني نيما يوشيج والشاعر العراقي بدر شاكر السياب
نيما يوشيج وبدر شاكر السياب شاعران معاصران عاشا بعد إحداث الحرب العالمية الأولى وعاصرا الثانية، الأول عاش في إيران والثاني في العراق، كلاهما من مؤسسي الشعر الحرّ. وإن كان الأول قد سبق الثاني في هذا المجال، اتخذّ الاثنان الأسطورة سلاحاً قوياً للتعبير عن الواقع المرّ الذي يعيشه أبناء وطنيهما. وكان أسلوبهما أسلوبين متمايزين في التعبير وأداء ما يقع على عاتقيهما من تحريك أحاسيس الناس ومشاعرهم تجاه ما يعانونه وعلى هذا الأساس لن ينسى الشعبان ما لهذين الشاعرين من مواقف وطنية، أدت بطريقة أو أخرى إلى تحريك مشاعر أبناء شعبيهما، وقد اشترك الشاعران في هذه المواقف. وإن عاشا أو كتبا كلا على انفراد وفي ساحتين متباعدين نوعاً ما. ومن الجدير بالذكر أيضاً أنهما وقعا تحت تأثير الثقافة الأوربية وأسسا مدرستي الشعر الحر، مدرسة الأول في إيران ومدرسة الثاني في العراق.
المبحث الأوّل : نيما والأسطورة
ومع مرور الزمن وبتقدم المدينة وظهور الأفكار الوطنية، اتجه الشعر والنثر نحو مرحلة أفضل ونحو استخدام اللغة العامية؛ لأنّ عدداً من المفكرين وذوي التحصيل الدراسي أحسوا بأنَّ نهوضهم ما بين الكادحين وأبناء المجتمع ضرورة لابدّ منها؛ لأنّ هؤلاء بحاجة إلى نتاجاتهم وتوجيهاتهم، ولابدّ من خدمة المظلومين والكادحين. ومن المسلم به أن تضمين الأسطورة في إيران لم يكن بالشيء الجديد.
مثال على ذلك: ما جاء في كتاب كليلة ودمنة، فقد استغلت تلك الأساطير التي تحتوي على بعض البطولات؛ لتحريك وتأجيج أفكار وأحاسيس الناس كي ينهضوا بالعبء الملقى على عاتقهم .
استخدم نيما الرمزية للتعبير عن مضمون الأسطورة مستفيداً من جمال الطبيعة القروية ، وظهرت شهرة الشاعر المذكور من خلال الأسطورة، وعدّت منعطفاً لنهضة التجديد في الشعر(1) .
فقد وقع نيما بطريقة أو بأخرى تحت تأثير الأدب الغربي واتجاهات الأدب الفرنسي في أدواره الرومانسيّة.
وللأسطورة عنده شبهٌ كبيرٌ بشعر (ألفرد دوموسه)، إذ يدور شعره فيها حول التجربة بين عاشقٍ يائسٍ وبين الأسطورة.
والأسطورة هنا رمزٌ لتجارب وخواطر الشاعر السالفة(2).
وهي تتضمن هنا وصف الحب وطرافة الخيال وروعة الأسلوب جاء منها قوله :
يك كوزن فرارى در انجا شاخه اى از بركش تهى مرد |
كشت بيدا صداهاى ديكر شكل مخروطى خانه اي فرد |
إنَّ للأسطورة وقعٌ كبيرٌ على توجهات الشاعر، وتمثّل ردّة فعلٍ مقابل مظاهر وجمال الطبيعة، قال:
عاشقا: خيز كامــــد بهاران جشمهء كوجك از كوه جوشيد |
كل به صحرا در آمد جو آتش رود تيره توفان خورشيد |
دشت از كل شده هفت رنكه(3) |
هنا أفاد الشاعر من الرمزية والاستعارة والتشبيه؛ ليبين الغرض الأصلي من ذلك، وهو توجيه الناس نحو الغرض الأساسي مع حرية التجديد للنهوض بالشعر.
وبعد الثورتين سنة 1329و1340 هـ ، اعتزل الشاعر وابتعد عن الوسط الجماهيري وانطوى على نفسه في مناطق طفولته مستأنساً بهواء الطبيعة وجمالها بين الغابات وقمم الجبال، فساعده ذلك على ترسيخ أفكاره، ثمَّ عاد بعد مدّة من الزمن إلى فنه وعلى نغمة جديدة(4).
نظم الشاعر الأسطورة سنة 1314هـ إذ كسر طوق الوزن القديم، واتجه صوب التجديد بذلك، وقد مهدّ الطريق للآخرين بتأسيسه مدرسة الشعر الحرّ، ثمّ صاغ الأسطورة على شكل حوارٍ، إذ تطرح بسهولة على ذهن الطرفين.
المبحث الثاني : بدر والأسطورة
اتجه السياب نحو الأسطورة رويداً رويداً، كي يستطيع أن يجسد معنى الطبيعة باستخدامه الرمزية، وأخيراً ” جعل من الطبيعة والرمزية جسداً واحداً مشيراً ” إلى الخصب الذي هو جزء من الرمزية(5) ” .
لقد استطاع السياب وبأساليب مختلفة أن يستثمر أبطال وشخصيات القصص القديمة؛ ليتسنى له أن يحفز الناس على الواقع المظلم؛ لأنَّ السياب وبحسب عقيدته يرى الشجاعة والبطولة المستخلصة من تلك القصص هي خيرُ وسيلة للدفاع عن القيم والشرف والرفعة، والسياب لم يكن بعيداً عن استعمال التشبيه والاستعارة والرمزية؛ ليخفي المعنى الحقيقي، كي لا يقع فريسة الحكام والمستعمرين، إذ يعدّ المستعمر والظالم أسوء قوة في زمانه(6) .
ويتوصل السياب إلى نتيجة مفادها أنَّ التجديد في الأدب والحياة، هو أفضلُ سلاحٍ للتغيير والاصلاح بأيدي المثقفين والأدباء.
وعلى سبيل المثال يلجأ السياب إلى أسطورة تموز كي يستفيد من الرمزية؛ فالأسطورة هنا ما هي إلا انتصارٌ للحياة على الموت، ومن خلالها أيضاً يجد الحل والخلاص للشعب المظلوم، ويحرّره من قيود الواقع المرير.
ومن وجهة نظر الشاعر….”وعودة تموز من العالم السفلي مع رفيقته عشتار التي تعني انتعاش الطبيعة وتجددها تصبح تمثيلاً “لرؤيا ملؤها الأمل، بأن يعود الوطن العربي أيضاً إلى حياةٍ جديدةٍ من الخصب الروحي ولكن قبل أن يتحقق الأمل فهناك ألمٌ وعذابٌ وقلقٌ وحيرةٌ وحزنٌ…(7) “.
أمّا سبب استعمال السياب للأسطورة، فيتلخص فيما قاله السياب نفسه في المنتدى الكبير بالجامعة الأمريكية بيروت في أمسية شعرية رتبتها ودعت إليها مجلة (شعر)…لقد اعتقد السياب أنّ المدنيّة الأوروبية الحديثة لم تُهج هجاءً ” أعنف ولا أعمق من الهجاء الذي وجهه ت.س. إليوت إليها في قصيدته الأرض اليباب، وأعجب السياب بتكنيك إليوت، وخاصة استعماله للأسطورة والتصوير في الأرض الخراب ، كما تأثر بكتاب (جيمس فريزر) المسمى (الغصن الذهبي) ووقع أيضاً تحت تأثير عدّة كتب؛ ليكون بعد 1954م تموزياً”
ومن تلك الأساطير قابيل وهابيل، جنكيز خان، والمسيح بعد الصلب ويحيى ونفحة من شكسبير.
وفي 1957 كتب أسطورة تموز وبعد 1960 كتب عوليس وأيوب وسندباد وإرم ذات العماد.
وهكذا أفاد السياب من الأسطورة، ليعبر عن تطلعات الشعب وأمانيه وبأسلوب أدبي معاصر جديد.
وفي سنة 1963 قال السياب لكاظم خليفة في مقابلة صحفية ” لعليّ أول شاعر عربي معاصر بدأ باستعمال الأساطير ليتخذ منها رموزاً…(8) ”
ففي قصيدته المسماة سريروس في بابل هجا قاسم ونظامه وبحسب قوله أبشع هجاء دون أن يفطن زبانيته إلى ذلك، ولم يذكر السياب إله تموز؛ لذلك دعاه باسمه اليوناني أدونيس وقد عبّر عن خيبة أمله في ثورة 14 تموز ، لكونها أصبحت شيوعية ، جاء في شعره:
هم التتار أقبلوا، ففي المدى رعاف |
وشمسنا دمُ، وزادنا دمُ على الصحاف |
محمد اليتيم أحرقوه فالمساء |
يضيء من حريقه، وفارت الدماء |
من قدميه، من يديه، من عيونه |
وأحرق الإله في جفونه |
محمد النبي في حراء، قيدوه |
فسُمر النهار، حيث سمروه |
غداً سيصلب المسيح في العراق |
ستأكل الكلاب من دم البراق(9) |
وفي قصيدة (تموز جيكور) يتخذ بدر شخصية تموز نفسه ودمه المتدفق الذي لم يعد شقائق أو قمحاً أو ملحاً، فينادي عشتار، ويشتاق إلى قبلة منها…ومع هذا لايفقد الأمل إذ يقول:
جيكورُ …ستولد جيكور |
النور سيورق والنور |
جيكور ستولد من جرحى |
من غصة موتي، من ناري |
سيفيض البيدر بالقمح |
والحزن سيضحك للصبح |
……..(10)
وهكذا جسد السياب في قصيدة (العودة لجيكور ) معاناة الشعب وتطلعاتهم إلى الأمل المشرق(11).
الخاتمة
- كلا الشاعرين قرويان نهضا من بين الكادحين والمعدمين التواقين إلى الاصلاح، منبهين الناس على النهوض والثورة على الواقع المر.
- يعتقد الشاعران بأنَّ الأسطورة هي أحسن سلاح بأيدي الشعراء للتعبير عن أحاسيس وأماني الشعب.
- ما تركه الشاعران على الساحة الأدبية والاجتماعية من أدب اصلاحي بناء له وزنه في نفوس الناس.
تحرير: آلاء دياب
ملحق المصادر والمراجع
- محمود قشطة_ قضايا الأدب المعاصر في إيران، القاهرة، 1985م : 98
- يعقوب آزند_ ادبيات نوين ايران، جابخانهء سبهر، تهران ، 1663م : 189
- يعقوب آزند_ ادبيات نوين ايران: 190
- يحيى آرين بور_ از صبا تا نيما، ج2، ج5، تهران ، 1357 : 469
- عيسى بلاطة_ بدر شاكر السياب (حياته وشعره )، بغداد، 1987م: 186
- المرجع نفسه: 176
- عيسى بلاطة_ بدر شاكر السياب (حياته وشعره ): 186
- المرجع نفسه: 189
- عيسى بلاطة_ بدر شاكر السياب (حياته وشعره ): 108
- بدر شاكر السياب_ أنشودة المطر ، بيروت، 1960م: 99-115
- المرجع نفسه: 99-115