نظرية التلقي أبرز تيارات ما بعد الحداثة
نشأت نظرية التلقي منذ الستينات (1967) بألمانيا الغربية، وتنسب إلى جامعة كونستانس Universite de constance ومن أشهر ممثليها هانس روبير ياوس Hans Robert yauss وفولفغانغ إيزر Wolfgang Iser .
تعد نظرية التلقي من أهم النظريات الأدبية اللسانية في العصر الحديث، فقد أعطت إضافة إلى الدرس اللغوي، وقد ركز منظرا هذه النظرية هانس روبرت ياوس وفولفغانغ إيزر على علاقة النص مع المتلقي بعدّ أن العملية التواصلية هي نتاج تفاعل النص مع القارئ (المتلقي)، ولهذا أسس إيزر لمفهوم القارئ الضمني الذي يقوم بإعادة صياغة النص بما يمتلكه من مقومات التأويل، فيقوم بسدّ الفجوات والثغرات في عملية تأويلية للنص، ولاشك أن هذه النظرية تعطي إضافة نوعية إلى الدرس النقدي بل إلى الدرس اللغوي عموماً، وقد اهتم بها الباحثون والنقاد بعد ظهورها، ويكفي أن نعلم أن عدد ما نشر من بحوث ودراسات عن نظرية التلقي بين 1991_2001 يزيد على 3900 بحثاً ، ولعلّ سبب تطور هذه النظرية وانتشارها أنها كانت نتيجة مشروع جماعي متماسك، فقد كان أصحابها يلتقون بانتظام لمناقشة الأفكار وتبادلها، ولعلّ أكثر النظريات اللغوية الحديثة قامت على أساس أنها رد فعل على مرجعية فكرية كانت سائدة في ذلك العصر، سواء بنيت على أساس فكري مخالف ابتداء وأولاً أم كانت ردة فعل على نظرية لغوية بنيت على أساس فكري مخالف، وبقي هذا الأمر حتى منتصف ثمانينات القرن العشرين، إذ اتسمت النظرية اللغوية الأدبية حينها بكثير من الموضوعات الأدبية، فينبغي الحذر حين تطبيق تلك النظريات على تراثنا اللغوي والعربي النابع من أساسيات ومرجعيات مختلفة تماماً عمّا وضعت له تلك النظريات، وإلا فسنقع في منزلق فكري خطير، ولكن نظرية التلقي اتسمت بالموضوعية اللغوية كثيراً، وإن كانت بداياتها رداً على النظرية الماركسية ؛ لأن موضوعها هو النص والقارئ والعلاقة بينهما.
بدايةً، لابد لنا من القول أنه من الصعب الاحاطة بتفرعات هذه النظرية وتشعباتها؛ وسبب الصعوبة يرجع إلى عدم ثبات نقاط التركيز واتساع مساحة الاهتمامات التي تؤسس طروحات هذا التوجه النقدي؛ ويعدّ الاهتمام المطلق بالقارئ والتركيز على دوره الفعال كذات واعية لها نصيب الأسد من النص وإنتاجه وتحديد معانيه هو الجامع الذي يوحد بين المنتسبين إلى نظرية التلقي وليست مصادفة أن تبرز أهمية القارئ في تلك المرحلة التاريخية، إذ أن النظرية الأدبية قد حاولت على مر العصور أن تركز اهتمامها على واحد من عناصر العملية الفنية أي على العمل الأدبي نفسه أو على مؤلفه أو قارئه ولكن المتلقي يتنازل عن دوره دائماً إما للنص أو لما يبرزه النص كمضمون أو للمؤلف حتى يستفيد القارئ من عبقريته، ولقد برز دور القارئ كعنصر فعال في تناول النص وعملية التحليل والتأويل، عندما تطورت النظرية الحديثة كالألسنية والبنيوية ومهما يكن من أمر، فإن الاهتمام بالمتلقي أو القارئ جاء كرد فعل على إهمال السياق الخارجي والاهتمام بالنص ذاته وهي من مقولة النقد الجديد فجاء نقد التلقي أو استجابة القارئ؛ ليقلب المقولة تماماً، ويركز على سياقات النص المتعددة التي تفضي إلى إنتاجه واستقباله أو تلقيه؛ ومن هنا كان تلقي النص يستتبع الاهتمام بالمتلقي أو القارئ والقراءة وتأويل معنى النص؛ ومن هنا يمكننا تصنيف القراء إلى صنفين هما : القارئ الحقيقي والقارئ المفترض.
فالقارئ الحقيقي هو الشخص الذي يستشتري النص ويقرؤه ومع هذا القارئ يصبح الإنسان الحقيقي مجالاً جديداً للنقد الأدبي، وهكذا تبدأ حدود النص وبنيته بالانهيار، إذ يخرج النص والنقد معاً إلى فضاء الثقافة عامةً: الفكر والمجتمع والتاريخ وعلم النفس وغيرها ومع انفتاح النقد على المجال الثقافي يصعب تحديده و عزله عن غيره كتخصص مغلق وممارسو هذا النقد أنفسهم يختلفون فيما بينهم نظرياً ومنهجياً بخصوص دراسة استجابة المتلقي واستقباله للنص. ومن هنا فنحن أمام جملة أسئلة يمكن طرحها ، منها مثلاً :
هل يقوم القارئ أو المتلقي بالاهتمام بالنص أم أن النص نفسه يفرز في القارئ هذا الاهتمام ؟ وهل المعنى وإنتاجه في النص أم لدى القارئ أم عند المؤلف أم خارج الجميع في الفضاء الثقافي أم في اللغة كمؤسسة اجتماعية ؟
واستناداً لما تقدّم نقول أن هناك اتجاهان:
اتجاه يتنازل للنص ليحكم على تلك الأسئلة، والاتجاه الآخر هو المضاد والذي يقيم المتلقي حكماً ومنتجاً لكل ما كان للنص سابقاً، ويكون بين الاتجاهين أصحاب التداخل النصي أو النصوص الذين يذهبون إلى أن المعنى ينتج عن تفاعل جميع الأطراف الأدبية و غير الأدبية.
أمّا أبرز أعلامها فهما: هانز روبيرت ياوس، وفولفجانغ إيزر.
تحرير: آلاء دياب
المصادر والمراجع:
حسن البنا عبد العزيز، قراءة الآخر قراءة الأنا نظرية التلقي وتطبيقاتها في النقد العربي المعاصر، الطبعة الأولى ، القاهرة ، الهيئة العامة لقصور الثقافة:22.