إنّ مفهوم الراحة التي نشعر بها عندما يكون الجو قاتمًا في الخارج بينما ننعم بالأمن داخل منازلنا قد اختل الآن، فالبقاء في المنزل بعد شهور عديدة من الوباء الذي اجتاح العالم قد ولّد لدينا الحرمان الحسي.
لطالما اعتدنا أن تكون هناك موسيقى في آذاننا، تمتزج مع ضوضاء حركة المرور وأصوات السيارات وهمهات الغرباء، فقد أظهر علم الأعصاب أنّ أدمغتنا تترجم الأصوات والصور حتى عن بعد، وقدرتنا على تمييز الوجوه تفوق قدرة أي ذكاء اصطناعي موجود حاليًا.
يجد العديد من الناس الحرمان الحسي محبطًا للغاية، فهم يعزفون الموسيقى، وينظرون إلى الصور، ويشاهدون التلفاز، لكن كلها أمور يبدو أنّهم مجبرون على فعلها الآن، فهي مفصولة عن الواقع وضجيج الحياة الحقيقية.
تزداد حالة الشعور بالانفصال عن الواقع الحسي سوءًا خلال الجائحة، ويعد الحرمان الحسي شكلًا من أشكال التعذيب، فقد وجدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أنّ تقنيات الحرمان الحسي التي استخدمها البريطانيون لاستجواب السجناء في أيرلندا الشمالية بلغت مرحلة الإهانة واللاإنسانية.
كما قامت الدراسات الحديثة بقياس تأثير الحرمان الحسي على الدماغ، إذ تم وضع مجموعة من المتطوعين في غرفة سوداء مظلمة عازلة للصوت لمدة 15 دقيقة، أبلغ العديد منهم بأنّ تأثيرات التجربة كانت شبيهة بالذهان، فقد عانوا من هلوسات في الشكل والوجوه، وصاحب بعض الحالات أفعال عدوانية.
في عام 2008، وافق ستة أفراد على حبسهم في زنزانة داخل مخبأ نووي بمفردهم وفي ظلام دامس لمدة يومين، النتيجة كانت ظهور الهلوسات السمعية والبصرية عليهم، وفقدوا إحساسهم بالوقت.
يمثل هذا الوباء معضلة حقيقية، فعزل الناس وحرمانهم من المحفزات الأساسية للحياة اليومية يقودهم إلى الجنون، لذا لا بد من تحويل عزلتنا الحالية إلى فرص للاسترخاء بدلًا من أن تقودنا إلى ضغوط لا نهاية لها.
تندرج التقنيات العلاجية المختلفة للحرمان الحسي ضمن إطار علاج التحفيز البيئي المقيد REST (والذي يتم عن طريق الاسترخاء العميق الذي يشبه حالة الاسترخاء قبل النوم أو خلال النوم). بمعنى آخر، يمكننا قلب الحرمان الحسي رأسًا على عقب، مما ينتج عنه تأثيرات تخفف فعليًا من الحرمان وتولد شعورًا بالرفاهية.
لذا لا بأس أن تدلل نفسك، إن لم يكن عن طريق نوع من تقنيات الـREST التي يستخدمها الباحثون، فيمكنك أن تحاول فعلها بنفسك وسيكون لها التأثيرات المهدئة نفسها، مثلًا أن تأخذ حمامًا طويلًا وساخنًا، أو أن تطفئ التلفاز وتمارس اليوغا.
إذا كان علينا أن نعيش مع الحرمان الحسي، فينبغي لنا على الأقل تحويله لصالحنا من أجل التغلب على عزلتنا القسرية المضجرة.
نحن بحاجة إلى الاعتقاد بأنّنا نقوم بعمل جيد بأنفسنا، وتدريب عقولنا بعيدًا عن الشعور بالتوتر والقلق، ونحو الاعتراف بجهودنا.
الهدف هو أن نبدأ من مكانٍ ما بينما نستطيع ذلك.