–
لم يلقَ جورج طرابيشي الاهتمام الذي يستحقه بوصفه أحد أهم رجال الفكر والتنوير في الثقافة العربيّة المعاصرة، وقد يعود ذلك إلى بعده عن الساحة العربية بسبب إقامته في فرنسا أربعين عاماً.
ولد جورج طرابيشي في مدينة حلب 1939م، ورحل عن هذه الدنيا في باريس عام 2016م بعد أن ترك ثروة معرفية ضخمة في مجالي الترجمة والتأليف.
يتحدّث طرابيشي في آخر مقالٍ له منشور عام 2016 أي سنة وفاته، عن ست محطات في حياته كان لها تأثيرٌ كبيرٌ في رحلته في عالم الكتابة، إذ قادته في هذا الطريق الذي سلكه.
تمثّل المحطة الأولى مرحلة الطفولة والمراهقة ضمن أسرة مسيحيّة كان فيها متديناً بشدّة، إلى أن حضر أحد الدروس الدينية لكاهن معروف بصرامته الشديدة جعلته ينفر من الدّين، ومن ذلك اليوم ((كففت عن أن أكون مسيحياً)).
المحطة الثانيّة حينما حضر أحد الدروس الدينية الإسلاميّة في المرحلة الثانوية بعد أن أدخلت الدولة التعليم الديني إلى المدارس الرسمية بطلب من الإخوان المسلمين عام 1955م بعد إسقاط حكم أديب الشيشكلي. حين دخل قاعة التدريس وجد عنوان الدرس مكتوباً على السبورة: ((كل من ليس بمسلم فهو عدو للإسلام)) ومع ذلك تابع حضور الحصة الدرسيّة حتى جاء وقت النقاش. ومن هنا بدأت تتشكل لديه قناعة بأنّ مهمة كبيرة جداً لاتزال تنتظر المجتمعات العربيّة وهي قضية تغيير على صعيد العقليات.
تتعلق المحطة الثالثة بحادثة حدثت معه في السجن، حينما التقى فيه رفاقاً حزبيين له من مسيحيي حوران، ودار حديث حول جرائم الشرف التي دافع عنها هؤلاء الرفاق على الرغم من تقدميتهم المعلنة في انتمائهم إلى حزب تقدّمي. ((منذ ذلك اليوم توطد لديّ الاقتناع بأن الموقف من المرأة في مجتمعاتنا يحدد الموقف من العالم بأسره)).
في المحطة الرابعة من حياته جاء دور فرويد بعد مرحلة القومية العربية والبعثية واليسارية والماركسية.
أمّا المحطة الخامسة فهي المتعلقة بعلاقته بمحمد عابد الجابري إذ أثّر فيه كثيراً في البداية بسبب انبهاره بهذا الإنجاز قبل أن يكتشف السقطات الكبيرة للجابري في أحكامه.
كانت المحطة السادسة هي محطة الصمت والشلل التام والتوقف عن الكتابة: محطة الألم السوري المتواصل منذ عشر سنوات، لقد شكلت أحداث سورية صدمةً كبيرةً له. والتي علّق عليها بقوله ((ولكن، وكما أثبت التطور اللاحق للأحداث، فإن ما قام البرهان على أنه كان في محله هو توجسي بالذات: فالربيع العربي لم يفتح من أبواب غير أبواب الجحيم والردّة إلى ما قبل الحداثة المأمولة والغرق من جديد في مستنقع القرون الوسطى الصليبية/ الهلالية)).
–
إعداد: آلاء دياب
مراجعة وتعديل الصورة: تبارك عبد العظيم
المصادر: جورج طرابيشي، تأليف: الدكتور غسان السيد، الهيئة السورية للكتاب، دمشق، 2021م.