وجدت دراسة حديثة أنَّ هناك ارتباطًا وثيقًا بين ضغط الدم الانبساطي (diastolic blood pressure) لدى الأشخاص ما دون الـ50 عامًا وبين تلف الدماغ في المراحل المتقدمة من حياتهم.
وجاءت الدراسة التي أُجريت على 37,041 شخصًا مسجَّلين لدى البنك البيولوجي البريطاني كمجموعة أفراد من عامة الناس تتراوح أعمارهم بين 46 و96 عامًا، يمتلكون معلومات طبية كاملة بما في ذلك فحوصات الدماغ بالرنين المغناطيسي.
البحث الذي أجرته الدكتورة كارولينا وارتولوسكا (Dr Karolina Wartolowska)، زميلة أبحاث سريرية في مركز الوقاية من السكتة الدماغية والخرف بجامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة، كان بحثًا عن زيادة كثافة المادة البيضاء White matter hyperintensities (WMH)، وهو مصطلح غير دقيق يشير إلى زيادة في كثافة المادة البيضاء، حيث عند التصوير في الرنين المغناطيسي تبدو أكثر توهجًا ممّا يعني تلف الأوعية الدموية الصغيرة في الدماغ التي تزداد مع تقدم العمر وضغط الدم.
يرتبط (WMH) بزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية والخرف والإعاقات الجسدية والاكتئاب وانخفاض قدرات التفكير.
تقول الدكتورة وارتولوسكا: “لا يُصاب الجميع بهذه التغييرات مع تقدمهم في العمر، لكنّها تتواجد لدى أكثر من 50% من المرضى فوق سنّ الـ65، ومعظم الأشخاص فوق سنّ الثمانين حتى بدون ارتفاع ضغط الدم، ومع زيادة ضغط الدم تصبح احتمالية الإصابة كبيرة.
تمَّ جمع معلومات المشاركين في البنك البيولوجي في المملكة المتحدة بين مارس 2006 وأكتوبر 2010، وتمَّ جمع بيانات المتابعة، بما في ذلك فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي، بين أغسطس 2014 وأكتوبر 2019. قام الباحثون بتعديل المعلومات لمراعاة عوامل مثل العمر والجنس، وعوامل الخطر مثل التدخين والسكري وضغط الدم الانبساطي وكذلك الانقباضي.
ضغط الدم الانقباضي هو أقصى ضغط دم يتمُّ الوصول إليه في كلّ مرة ينبض فيها القلب وهو الرقم الأعلى في قياسات ضغط الدم.
تقول الدكتورة وارتولوسكا: “لمقارنة حجم الزيادة في كثافة المادة البيضاء (WMH) بين الناس وتعديل التحليل لحقيقة أنَّ أدمغة الناس تختلف قليلًا في الحجم، قُمنا بتقسيم حجم (WMH) على الحجم الكلي للمادة البيضاء في الدماغ. بهذه الطريقة، يمكننا تحليل مقدار (WMH)، وهو نسبة حجم (WMH) إلى الحجم الإجمالي للمادة البيضاء.”
ووجد الباحثون أنَّ المقدار العالي من (WMH) يرتبط ارتباطًا وثيقًا بضغط الدم الانقباضي الحالي، ولكن أقوى ارتباط كان لضغط الدم الانبساطي السابق، خاصةً لمن تقل أعمارهم عن 50 عامًا.
أيُّ زيادة في ضغط الدم حتى أقل من عتبة العلاج المعتادة 140 ملم زئبقي للضغط الانقباضي وأقل من 90 ملم زئبقي للانبساطي، ارتبطت بزيادة كثافة (WMH)، لا سيما حين يتناول الناس أدوية لعلاج ارتفاع ضغط الدم.
لكل زيادة بمقدار 10 ملم زئبقي في ضغط الدم الانقباضي فوق المعدل الطبيعي، زادت نسبة (WMH) بمتوسط 1.126 ضعفًا و 1.106 ضعفًا لكل زيادة 5 ملم زئبقي في ضغط الدم الانبساطي. من بين أعلى 10% من الأشخاص الذين يعانون من أكبر مقدار من (WMH)، يمكن أن يُعزى 24% من المقدار إلى ارتفاع ضغط الدم الانقباضي فوق 120 ملم زئبقي، ويمكن أن يُعزى 7% إلى ارتفاع ضغط الدم الانبساطي عن 70 ملم زئبقي، ممّا يعكس حقيقة أنَّ هناك نسبة أكبر من ارتفاع ضغط الدم الانقباضي بدلاً من ضغط الدم الانبساطي لدى المرضى الأكبر سنًا.
تخبرنا الدكتورة وارتولوسكا: “لقد توصَّلت الأبحاث إلى نتيجتين مهمتين، أولاً: أظهرت الدراسة أنَّ ضغط الدم الانبساطي لدى الأشخاص في الأربعينيات والخمسينيات من العمر مرتبط بتلف دماغي أكبر بعد سنوات. وهذا يعني أنَّه ليس فقط ضغط الدم الانقباضي، الأول، والأعلى ارتفاعًا، ولكن ضغط الدم الانبساطي، الثاني، والأقل، هو المهم لمنع تلف أنسجة المخ.
قد يعتقد الكثير من الناس أنَّ ارتفاع ضغط الدم والسكتة الدماغية من أمراض كبار السن، لكنَّ نتائجنا تُشير إلى أنَّه إذا أردنا الحفاظ على صحة الدماغ جيدًا في الستينيات والسبعينيات من العمر، قد نضطر إلى التأكد من أنَّ ضغط الدم، بما في ذلك ضغط الدم الانبساطي، يظل ضمن النطاق الصحي عندما نكون في الأربعينيات والخمسينيات من العمر.
النتيجة المهمة الثانية التي توصَّلت إليها الأبحاث هي أنَّ أيّ زيادة في ضغط الدم تتجاوز المعدل الطبيعي ترتبط بكمية أكبر من زيادة كثافة المادة البيضاء. وهذا يشير إلى أنَّه حتى ارتفاع ضغط الدم قليلًا قبل أن يفي بمعايير علاج ارتفاع ضغط الدم له تأثير ضار على أنسجة المخ.”
“تُشير نتائج البحث السابقة إلى أنَّه لضمان أفضل وقاية من زيادة كثافة المادة البيضاء في وقتٍ لاحق من الحياة، قد يكون التحكم في ضغط الدم الانبساطي، على وجه الخصوص، مطلوبًا في منتصف العمر المبكر (الأربعين والخمسين من العمر)، حتى بالنسبة لضغط الدم الانبساطي الذي يقل عن 90 ملم زئبقي، بينما قد يكون التحكم في ضغط الدم الانقباضي أكثر أهمية في أواخر العمر.
يؤكد الفاصل الزمني الطويل بين تأثيرات ضغط الدم في منتصف العمر والأضرار التي تحدث في أواخر العمر على مدى أهمية التحكم في ضغط الدم على المدى الطويل، نتائج هذا البحث تتناسب مع الآثار طويلة المدى للمشكلات التي لا تظهر عليها أعراض في كثير من الأحيان في منتصف العمر.”
من الآليات المؤدية إلى (WMH) هي تلف الأوعية الدموية الحساسة في الدماغ من خلال الضغوط المرتفعة المستمرة بمرور الوقت والتي تُسبِّب ضررًا مباشرًا في الأوعية الدموية، هذا يؤدي إلى تسريب بطانة الأوعية ويؤدي إلى (WMH)، بينما قد يتسبَّب الضغط الانبساطي في تيبُّس الأوعية الدموية الكبيرة مع مرور الوقت، ممّا يزيد من نبضات ضغط الدم إلى الدماغ. يؤدي هذا إلى ارتفاع ضغط الدم مع كل نبضة قلب، وتغيرات سريعة في ضغط الدم، وتدفق دم منخفض جدًا بين ضربات القلب، ممّا يؤدي إلى تلف المادة البيضاء.
من القيود التي واجهت البحث أنَّ فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي يمكن أن تظهر النتائج مباشرةً للوقت الحالي، لذا لم يتمكَّن الباحثون من تحديد تطوُّر (WMH) مباشرةً.
ومن القيود الأخرى أنَّ هناك حاجة إلى مزيدٍ من التحليل لتحديد الاختلافات في مناطق مختلفة من المادة البيضاء، وأنَّه على الرغم من أنَّ الباحثين أظهروا ارتباطًا بالتدخين ومرض السكري، فإنَّ التفاعل المعقَّد المحتمل بين عوامل الخطر، والتي تشمل أيضًا مستويات الكوليسترول المرتفعة والسمنة ومشاكل الكلى، تتطلَّب مزيدًا من التحقيق.
ترجمة: مينا طارق
تدقيق: فاطمة الزهراء جبار
تعديل الصورة: فرات جمال
المصدر: هنا