–
ما يزال العلماء يكتشفون كيف يؤثِّر السفر إلى الفضاء على صحة الإنسان، خاصةً على المدى الطويل.
إنَّ الفضاء الممتد والواسع يُؤثِّر على تدفق الدم إلى الدماغ، ويُغيّر ميكروبيوم الأمعاء، ويزيد الالتهاب، ويسبِّب عدم وضوح الرؤية، هشاشة العظام، وضمور العضلات.
أشارت الدراسات -التي تحاكي الرحلات الفضائية- على الفئران إلى أنَّ التوجُّه إلى الفضاء يسرِّع شيخوخة النظام المناعي في الجسم ويضرُّ الدماغ.
الآن، في جهدٍ جماعيّ كبير، نشر العلماء مجموعةً كبيرة من ما يقرب من 30 ورقة بحثية تبحث في المخاطر الصحيّة المرتبطة بالسفر إلى الفضاء.
تُمثِّل المجموعة أكبر مجموعة من بيانات بيولوجيا الفضاء قد تمَّ إنتاجها على الإطلاق، وتتميَّز ببعض التحليلات الضخمة من ملاحظات تمَّ تسجيلها عن الذباب، الديدان، الفئران، وبالطبع روّاد الفضاء.
تؤكِّد بعض النتائج مجدًّدا ما نعرفه عن المشكلات الصحية المتعلقة بالفضاء، بينما تُقدِّم دراسات أخرى رؤى جديدة، أو توضِّح نتائج سابقة، أو تكتشف طرقًا لتحسين التجارب المستقبلية.
يقول الباحثون: “على الرغم من التقدم الكبير الذي تمَّ إحرازه في العقد الماضي لفهم المخاطر الصحية للسفر إلى الفضاء، إلّا أنَّ هناك حاجة إلى مزيدٍ من البحث لتمكين الإنسان من استكشاف الفضاء بشكلٍ أكثر أمانًا خارج مدار الأرض المنخفض، بما في ذلك بعثات القمر، المريخ، واستكشاف الفضاء العميق”.
تبدأ المخاطر الصحية للسفر إلى الفضاء بقوى التسارع (G Forces) التي يشعر بها رواد الفضاء عند الإقلاع، وتستمرّ المخاطر بالتعرض للإشعاع الفضائي الخطير والجاذبية الصغرى أثناء تواجدهم في الفضاء.
قامت العديد من الدراسات المنشورة في هذه المجموعة بتجميع أو إعادة تحليل البيانات من التجارب السابقة التي تمَّ توفيرها للباحثين من خلال بوابات البيانات المفتوحة، مثل منصة GeneLab التابعة لوكالة ناسا.
يعدُّ دمج مثل هذه البيانات طريقةً لتقوية التحليلات الناتجة (غالبًا ما يبحث الباحثون لمعرفة ما إذا كان ما تمَّ العثور عليه في مجموعة بيانات ينطبق مع ما تمَّ العثور عليه في مجموعةٍ أخرى) وتعظيم البيانات التي تمَّ جمعُها من الرحلات الفضائية المكلفة، حيث كتب الباحثون موضِّحين نهجهم: “يمكن أن يؤدّي التحليل الجماعي عبر نماذج متعددة ودراسات بشرية إلى فهمٍ أكثر شمولًا للتأثيرات الفسيولوجية وتأثيرات بيئة الفضاء المتعلّقة بصحّة الإنسان”.
أظهرت إحدى الدراسات “تحولات منتظمة” في وظيفة الميتوكوندريا – وهي حزم الطاقة داخل خلايانا، والتي تحوِّل الأوكسجين والمواد الغذائية إلى طاقة.
يقول أفشين بهشتي، خبير المعلوماتية الحيوية في مركز أميس للأبحاث التابع لناسا: “ما اكتشفناه مرارًا وتكرارًا هو أنَّ شيئًا ما يحدث مع تنظيم الميتوكوندريا الذي يلقي بكلّ شيء خارج نطاق السيطرة”.
قارنت دراسةٌ أخرى البيانات من توأم كيلي (سكوت كيلي ومارك كيلي) مع 11 رائد فضاء لا تربطهم صلة قرابة قضوا حوالي ستة أشهر في محطة الفضاء الدولية، كان البحث على وجه التحديد في التيلوميرات الخاصة بهم، والتي هي الأغطية الواقية الموجودة في نهايات الكروموسومات لدينا، والتي تتآكل عادةً مع تقدم العمر.
بشكلٍ غير متوقَّع، وجدَ الباحثون أنَّ بعض التيلوميرات الخاصة بروّاد الفضاء أصبحت أطول أثناء رحلاتهم الفضائية، لكن عمومًا كانت لدى الفريق بعد عودتهم تيلوميرات أقصر ممّا كانت عليه قبل الرحلة.
تقول سوزان بيلي، الخبيرة في بيولوجيا التيلومير في كولورادو: “من الآن فصاعدًا، هدفُنا هو الحصول على فكرةٍ أفضل عن الآليات الأساسية، وعن ما يحدث في جسم الإنسان أثناء رحلة فضائية طويلة الأمد، وكيف يختلف ذلك من شخصٍ إلى آخر، إذ لا تستجيب أجسام الجميع بنفس الطريقة.”
كانت هناك أيضًا بعض النتائج المثيرة للاهتمام من دراسةٍ أعادت تحليل بيانات دراسة التوأم التابعة لناسا. اقترحت الدراسة أنَّ الارتفاع المفاجئ في الجزيئات الالتهابية التي لوحظت في دم سكوت كيلي عندما عاد إلى الأرض (بعد 340 يومًا على محطة الفضاء الدولية) يمكن أن يكون علامةً على تجديد العضلات وليس استجابةً مناعية.
من الواضح أنَّ هذه الدراسات محدودة بسبب العدد القليل جدًا من روّاد الفضاء والحيوانات التي يُمكننا إرسالها إلى الفضاء – هُنا حيث تأتي الديدان والذباب. إذ يعدُّ استخدام هذه المخلوقات طريقةً سهلة لتوسيع نطاق تجارب رحلات الفضاء.
بشكلٍ عام، تُمثِّل هذه المجموعة من البحوث – التي هي عمل حوالي 200 باحث من وكالة ناسا والوكالات الحكومية الأخرى والجامعات وفِرق قطاع الصناعة الفضائية – مساهمةً قوية في فهمنا للمخاطر الصحية الناجمة عن التجوُّل في الفضاء.