–
وفقًا لدراسة حديثة نُشرت في مجلة (Physical Review Letters) قد تتحوَّل المادة المظلمة إلى إشعاعٍ كهرومغناطيسيّ بتردد لاسلكيّ عندما تقترب كثيرًا من المجالات المغناطيسية القوية التي تدور حول النجوم النيوترونية، وبالتالي يمكنُ اكتشافها بواسطة أدوات فلكية عالية الدقَّة.
بعبارةٍ أُخرى، ابتكر العلماء طريقةً جديدةً لرصد وتأكيد وجود المادة المظلمة، ورغمَ أنَّهم لم يجدوها على الفور، فإنَّ البحث لم ينتهِ بعد.
إذا حدث هذا، يمكنُ التعرُّف على الإشارة الراديوية على أنَّها ذروة طيفية ضيقة للغاية، بتردد يعتمد على كتلة جُسيم المادة المظلمة خلفها، وقد يمكنُ ملاحظتها عبر أدوات فلكية عالية الدقَّة.
أكملَ باحثون من جامعة إلينوي في أوربانا شامبين وجامعة ميشيغان ومعاهد أُخرى على مستوى العالم بحثًا عن آثار تحوُّل المادة المظلمة، باستخدام البيانات التي تمَّ جمعُها بمساعدة تلسكوبين قويّين: تلسكوب إيفيلسبيرج وتلسكوب غرين بانك (GBT).
جاءت دراسة الباحثين في أعقاب جهودٍ سابقة جنبًا إلى جنب مع التوقُّعات النظرية، والتي تمَّ الاستشهاد بآخرِها في ورقةٍ بحثية عام 2018.
قال أحد الباحثين المشاركين في الدراسة: “الفكرة المقترحة في عملنا السابق والتي تجسَّدت في العديد من المنشورات اللاحقة من جميع أنحاء المجتمع، هي أنَّ المادة المظلمة قد تتحوَّل إلى انبعاث لاسلكي ضيق النطاق في المجالات المغناطيسية القوية المحيطة بالنجوم النيوترونية. ومع ذلك، فإنَّ هذه الأعمال القديمة هي نظرية بحتة وتنطوي على تكهنات حول كيفية العثور على إشارة بالفعل في وجود بيانات تلسكوب حقيقية مشوشة.”
لبدء البحث، جمع صفدي وهو أحد المشاركين في البحث وزملاؤه مجموعةً كبيرة من البيانات ذات الصلة التي تمَّ جمعُها في البداية عبر التلسكوبات الراديوية، تمَّ ذلك باستخدام تلسكوب (Effelsberg Radio Telescope) و(GBT)، وهُما من أكبر التلسكوبات الراديوية في العالم ومقرّهما في Ahr Hills (ألمانيا)، وفيرجينيا الغربية على التوالي.
وجَّه الباحثون التلسكوبات إلى مجموعةٍ كاملة من الأهداف في مجرة درب التبانة، جنبًا إلى جنب مع المجرات الأُخرى القريبة. بعض النجوم النيوترونية الملحوظة ليست بعيدةً جدًا عن الشمس، بينما البعض الآخر لا يزالُ موجودًا في بُقعٍ من الفضاء وفيرة بالنجوم النيوترونية (بالقرب من مركز المجرة).
ثمَّ سجَّل الفريق القوة التي رصدها التلسكوب عبر طيفٍ من الترددات المختلفة. من شأن الإشارات المرتبطة بتحوُّل المادة المظلمة أن تخلق طاقةً زائدةً في قناة تردد واحدة، وفقًا لنظريتهم.
قال صفدي: “قُمنا بعد ذلك بتطوير وتطبيق تقنيات جديدة ومتطورة لجمع البيانات وتحليلها من أجل فصل إشارة المادة المظلمة عن الخلفيات المُربكة. إنَّ بحثنا يشبه إلى حدٍّ كبير البحث عن إبرة في كومة قش، بمعنى أنَّنا نجمع الطاقة عبر الملايين من “قنوات التردد” المختلفة، ولكن من المتوقَّع فقط أن تُساهم المادة المظلمة في الطاقة الزائدة في إحدى هذه القنوات، ولا نعرف حتى الآن في أيِّها.”
يتضمَّن أحد التحديات التي واجهها الفريق في البحث عن بصمات تحوُّل المادة المظلمة عبر بيانات التلسكوب الراديوي إمكانية وجود إشارات مضلِّلة. ضجيج الخلفية الأرضية كأفران الميكروويف، الاتصالات اللاسلكية، وغيرها من المعدات المرتبطة بالأرض، جنبًا إلى جنب مع إشارات من ظواهر فيزيائية فلكية أُخرى قد ينتهي بها الأمر بشكلٍ خاطئ كإشارات مرتبطة بتحوُّل المادة المظلمة في الغلاف المغناطيسي للنجوم النيوترونية.
لِتجنُّب هذا المأزق المحتمل، استخدم صفدي وزملاؤه عدّة استراتيجيات. على سبيل المثال، نظرًا لأنَّه لا ينبغي مراقبة إشارات تحوُّل المادة المظلمة في العالم الحقيقي إلّا في منطقة تحت مراقبة التلسكوب، فكُلّما اشتبه فريق البحث في أنَّ الإشارات المرتبطة بالأرض قد “تظهر” في المنطقة ذات الصلة تحت المراقبة، يقوم الفريق بسرعة بتحويل التلسكوب باستمرار من مواقع “خارج المصدر” إلى مواقع “عند المصدر”، دونَ سحبها بعيدًا عن بقع السماء الفارغة.
قال صفدي: “لقد طبَّقنا أيضًا تقنيات معقدة في تحليل البيانات لتصفية وتعلُّم خصائص مصدر البيانات نفسها”. وأضاف: “بدمج كلّ هذه التقنيات معًا، تمكَّنا من جمع البيانات وتحليلها والاستنتاج بشكل قاطع أنَّه لا يوجد دليل على المادة المظلمة في البيانات”.
قال صفدي: “لم يكُن من السهل القيام بهذه المهمة، لكن هذا يعني أنَّنا قُمنا الآن بتطوير وإظهار إطار عمل للمراقبة والتحليل يمكنُ استخدامُه في الدراسات المستقبلية، وهذا، بالنسبةِ لي، هو الأهمية الرئيسية للبحث”.