بينت التقارير في بداية انتشار فيروس SARS-CoV-2 ( COVID-19) بأن تأثير الفايروس على الجهاز العصبي لا يشكل خطورة حقيقية. في شهر مارس السابق لاحظ الاطباء ان المرضى الذين كانوا لا يعانون من اي اعراض قد فقدوا حاسة الشم والتذوق قبل ان يكتشفوا اصابتهم بالفايروس. و رغم الازعاج الذي يسببه فقدان هاتين الحاستين الا ان هذه الأعراض تعتبر بسيطة مقارنة بالضرر البالغ الذي يصيب الجهاز التنفسي والذي كان السمة الرئيسية للإصابة الحادة بفايروس COVID-19.
ولكن بمرور الاشهر بدأت آثار عصبية جانبية حادة بالظهور. شاركت الدكتورة ريتشل براون (Rachel Brown)، وهي احد اعضاء ادارة جامعة لندن الطبية في قسم البحوث السريرية، بتأليف مراجعة لفحص تأثيرات COVID-19 على الدماغ. وقالت براون متحدثة لشبكة technology networks ان الأعراض العصبية المرافقة للعدوى متنوعة. وشرحت براون قائلة “استطعنا ان نتعرف على انماط مختلفة من الاختلالات العصبية المصاحبة للإصابة بفايروس COVID-19، بضمنها خلل في أداء المخ و التهاب في الدماغ و السكتة الدماغية والتهاب في الأعصاب”
فقد حاسة الشم عند الاصابة بـ COVID-19 : مؤشر حاسة الشم
اول مؤشر لإمكانية تأثير COVID-19 على الجهاز العصبي جاء من حالة فقد حاسة الشم حيث سجل علماء الأعصاب هذا المؤشر بترددات أعلى من المعتاد. ومع وصول الوباء إلى ذروته، أشار بيان مشترك من كلير هوبكنز(Claire Hopkins) – رئيس الجمعية البريطانية لطب الانف- ونيرمال كومار (Nirmal Kumar) – رئيس الجمعية البريطانية لطب الانف والاذن والحنجرة- ، انهم لاحظوا ان أربعة مرضى اعمارهم اقل من ٤٠ عاماً قد ابلغوا عن فقدان حاسة الشم بشكل مفاجئ في الاسبوع السابق لتشخيصهم. ومقارنة بالحالة العادية فان الاصابة بهكذا عرض هي حالة وحدة بكل شهر.
تقول براون ان فقدان حاسة الشم هو إشارة إن شيئا ما يؤثر على مسارات الدماغ الشمية. ” يهتم علماء الأعصاب بحالة فقد حاسة الشم؛ الحالات المتكررة ليست عصبية، كمرض كورزال او الإصابات بالرأس، ولكن يمكن ان ترتبط هذه الحالة مع مجموعة من الأمراض العصبية. كمثال، الفقدان التدريجي لحاسة الشم يمكن ان يكون علامة مبكرة لمرض التنكس العصبي مثل مرض باركنسون، الا انه يوجد بالعادة ادلة اخرى تشير الى هذه الاضطرابات وفي هذه الحالة يكون فقدان حاسة الشم امرا مستمرا او دائما” وتضيف براون قائلة “وبهذا يختلف عن عرض فقدان حاسة الشم عند الإصابة بفايروس COVID-19، حيث يبدو ان هذا العرض يبدأ بشكل مفاجئ ويتحسن بمرور الايام او الأسابيع او في بعض الحالات بمرور اشهر” كيف و لماذا يتسبب هذا الفايروس بفقدان حاسة الشم ما زالت هذه الأسئلة موضع نقاش عدد من المختصين بضمنهم المختصين بطب الأذن والأنف والحنجرة و الأمراض المعدية وعلم الأعصاب.
ظهور أعراض اكثر خطورة
لم يكن هذا العرض الحميد نسبيا – فقدان حاسة الشم- محل تركيز الاجتماعات متعددة الاختصاصات المقامة أسبوعياً في مستشفى الطب الوطني لطب الأعصاب وجراحة الأعصاب والذي مقره لندن و اصبح الأساس الذي اقامت عليه براون بحثها الذي نشر في Brian في شهر يوليو.
ناقش الفريق بدلا عن ذلك حالات الخلل الوظيفي العصبي الاشد خطورة. تنتج بعض الاعراض في حالات متعددة ولكن البعض الاخر – كما تقول براون- حالات نادرة جداً.
تم ملاحظة اعراض متلازمة غيلان باريه لدى المصابين بفايروس COVID-19 ، وهي متلازمة عصبية خطرة لكن نادرة تحدث بسبب مهاجمة الجهاز المناعي للخلايا العصبية خارج الدماغ. وهذا ليس بالأمر الهين, تتضمن الأعراض الشعور بالحرقة بأطراف المريض وفي بعض الحالات يصاب المرضى بضعف وشلل مؤقت. تقول براون ان متلازمة غيلان باريه تظهر بالعادة بعد التهاب بكتيري او فايروسي. و لوحظ ظهور هذه الحالة بعد الإصابة بفايروس زيكا او حتى الإنفلونزا.
تشمل الأعراض الاخرى المشتركة بين الحالات الشديدة من فايروس COVID-19 مع حالات مرضية اخرى أعراض نفسية كالهذيان وتوضح براون قائلة “هذه الأمر شائع في حالات ارتفاع درجة الحرارة والمرض الشديد, خاصة مع التقدم بالعمر” حين يوضع المرضى في العناية المركزة ويفصلون عن عوائلهم في ذروة وباء عالمي جديد، قد لا يكون امرا مفاجئاً ان يظهر على المرضى الأرتباك والخوف.
ولكن الأعراض الأخرى بدت فريدة اكثر لفايروس COVID-19 تقول براون “عدد من الأمور بدت غير اعتيادية” ” ابلغنا عن تسعة مرضى مصابين بمرض مشابه لالتهاب الدماغ والنخاع الحاد (ADEM) خلال فترة بحث قصيرة. في الحالات الاعتيادية لا نتوقع رؤية هذا الاضطراب بهذه الكثرة – و اوضحنا في ورقتنا البحثية اننا بالعادة نتوقع رؤية هذه العدد من المرضى خلال فترة خمس اشهر- بالتالي قد يقترح هذا الأمر ان هنالك زيادة بالإصابة بهذا الاضطراب لدى المصابين بعدوى COVID-19 “
يعد ADEM اضطراباً التهابياً يؤثر على الدماغ. اندفاع الخلايا المناعية الى الجهاز العصبي المركزي في الجسم قد يؤدي إلى أعراض كالحمى والأرهاق و الغثيان و الصداع. ولكن تظهر هذه الحالات النادرة جدا بمتغيرات معقدة و مؤذية جدا لدى المصابين اصابة شديدة بفايروس COVID-19 .
فتوضح أحدى دراسات براون حالة امرأة تبلغ من العمر ٤٧ عاما تعاني من أعراض التهاب بيضاء الدماغ النزفي الحاد وهو نوع من انواع ADEM ويتضمن النزيف وموت الخلايا داخل الدماغ. ولمعالجة هذه الحالة اضطر الفريق لأجراء عملية استئصال نصفي القحف، حيث يتم إزالة شريحة من الجمجمة لأزاله الضغط على الدماغ الملتهب والمتورم. وتبين دراسة الحالة ان المريضة استمرت بالتحسن سريرياً بعد العملية الجراحية ولكن ADEM يسبب معاناة شديدة للمرضى.
وتقول براون ان احد الأعراض الخطرة الخاصة بفايروس COVID-19 الأخرى تشمل النزيف بالدماغ الذي تم الابلاغ عنه بمجاميع متعددة. و دخل مرضى آخرون بحالة تخثر الدم حيث يصبح دمهم اكثر عرضة للتخثر مما يؤدي إلى ارتفاع خطر الإصابة بالسكتة الدماغية. و تكونت تخثرات دموية في رئات بعض المرضى بذات الوقت.
ما هو دور الجهاز المناعي؟
ان هذه الأعراض نادرة بلا شك. وعلى الرغم من ذلك فأن حدوثها، خاصة مع تدخل الجهاز المناعي بالأمر، يثير التساؤل عما اذا كان فايروس COVID-19 يسبب الضرر لوحده ام ان استجابة الجسم المناعية للفيروس هي السبب الرئيسي . ومثال على هذا “العاصفة الخلوية” (Cytokine storm) التي يعاني منها بعض المرضى.
تقول براون ان ما يسبب هذه الأعراض ليس واضحا حتى الآن. و إن كان الفايروس هو المسبب المباشر فهذا يعني انه استطاع اختراق الحاجز الدموي الدماغي. قالت براون ان هذا الأمر ممكن لكن هنالك ادلة محدودة حول اختراق فايروس SARS-CoV-2 للدماغ، لذلك لا تزال هنالك حاجة للمزيد من التحقيقات
عوضاً عن ذلك توضح براون قائلة “على ما يبدو ان مجموعة من الآليات قد تتسبب بظهور أعراض مختلفة. وتتضمن الاعراض المحتملة رد الجسم المناعي او الالتهابي, وتأثيرات نقص نسبة الأوكسجين في الجسم, والتغيرات في الأوعية الدموية, التغيرات في لزوجة الدم و تأثيرات المرض الشديد.”