–
عندما أصاب تفشي فيروس كورونا (coronavirus) على متن سفينة صيد في سياتل في مايو أكثر من 100 من أفراد الطاقم، نجا ثلاثة صيادين يحملون اجسامًا مضادة مسبقا، وفقًا لدراسة جديدة، قدمت أدلة مشجعة حول مناعتنا من العدوى.
تقدم الدراسة، أملًا في أن الأجسام المضادة يمكن أن توفر الحماية من العدوى.
بينما يقول العلماء إن الدراسة ستساعدنا على فهم كيف تحبط الأجسام المضادة عدوى فيروس كورونا، إلا أنهم يحذرون من أن وجود الأجسام المضادة لا يضمن المناعة بشكل قاطع. لا يزال الباحثون يحاولون فهم الشكل الذي ستبدو عليه المناعة ضد فيروس كورونا، وعلى الرغم من الدراسة الناجحة التي أجرتها جامعة واشنطن، لا يزال هناك الكثير الذي يتعين رؤيته.
حتى مع نشر سلسلة من البحوث الجديدة في مجال المناعة حول الفيروس الجديد، لا تزال الأسرار غير محلولة حول كيفية تمكن اناس مثل الصيادين من البقاء في مأمن من قبضة كوفيد19 (covid-19)، المرض الناجم عن الفيروس. تلقت صحيفة واشنطن بوست (The Washington Post) مئات الأسئلة من القراء حول المناعة من الفيروس، بدءًا من ما يتطلبه الأمر للوصول إلى مناعة القطيع إلى كيفية تأثير طفرات الفيروس على الاستجابات المناعية للأفراد. ولقد طرحت العديد من هذه الاستفسارات على الباحثين، وإليكم ما توصلت إليه.
كيف تعمل المناعة ضد فيروس كورونا؟
يقول علماء المناعة إن الاستجابات المناعية لمرضى فيروس كورونا تتبع في الغالب أمراضًا فيروسية أخرى مثل الأنفلونزا (flu).
للحماية من الفيروسات، يمتلك جسم الإنسان ترسانة مناعية متعددة الهجمات ينشرها. الدفاع الأول هو الخلايا التائية (T cells)، وهي خلايا الدم البيضاء المتخصصة التي تتذكر الفيروس، وبروتينات الدم التي تحيد العدوى. ومع ذلك، فإن وجود الأجسام المضادة لا يعني أن الشخص محصن من العدوى.
قالت سارة فورتشن (Sarah Fortune)، رئيسة قسم المناعة والأمراض المعدية في جامعة هارفارد كلية تشان للصحة العامة (Chan School of Public Health) لصحيفة الواشنطن بوست: “إن الامر ليس وكانه اما أبيض او أسود، ان تكون محصنًا أو غير محصن فهناك درجات من الحصانة.”
بينما يمكن أن تتضاءل الأجسام المضادة في الأسابيع التالية للعدوى، تستمر الخلايا البائية (B cells) طويلة العمر، والتي تنتج الأجسام المضادة، في درء العدوى بمرور الوقت.
قالت فورتشن: “إن استجابتك المناعية من الممكن ان ترتفع بشكل عام عندما يكون الخطر مرتفعًا، ومن ثم تكون قادرة على تهدئة الأمور عند زوال الخطر”.
ومع ذلك، فإن وجود أجسام مضادة في الصيادين الثلاثة على متن سفينة (American Dynasty) الذين تجنبوا تفشي المرض يشير إلى أن أجسامهم قد بنت دفاعًا ضد فيروس كورونا، ربما من إصابة سابقة.
كان هؤلاء الثلاثة هم الأشخاص الوحيدون الذين يحملون أجسامًا مضادة على متن السفينة من بين 122 شخصًا سمحوا للعلماء بجمع عينات الدم قبل الإبحار. كتب الباحثون أنه بعد 18 يومًا في البحر، اجتاح الفيروس 85 بالمائة من طاقم القارب لكنه لم يصب هؤلاء الثلاثة ملمحين الى حصانتهم.
ما هي مدة فعالية دفاعات الجسم ضد الفيروس ؟
أججت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها عن غير قصد التقارير الأسبوع الماضي أن مرضى كوفيد19 كانوا يتمتعون باشهر من المناعة عندما شاركت إرشادات محدثة نصحت الناس بعدم السعي لإجراء اختبار لمدة ثلاثة أشهر بعد تعافيهم من فيروس كورونا.
ومع ذلك، أوضحت الوكالة في وقت لاحق نصيحتها، قائلة إنها تتعلق بالكيفية التي يمكن أن تؤدي بها إعادة الاختبار إلى نتائج إيجابية خاطئة.
كتب مركز السيطرة على الأمراض في بيان: “خلافاً لتقارير وسائل الإعلام اليوم، فإن هذا العلم لا يعني ضمناً أن الشخص محصن ضد الإصابة مرة اخرى بفيروس (SARS-CoV-2) وهو الفيروس المسبب لمرض كوقيد-19 في الأشهر الثلاثة التالية للإصابة”. ” تشير أحدث البيانات ببساطة إلى أن إعادة اختبار شخص ما في الأشهر الثلاثة التالية للعدوى الأولية ليس ضروريًا ما لم يظهر على هذا الشخص أعراض كوفيد 19 ولا يمكن أن ترتبط الأعراض بمرض آخر.”
ينصح مركز السيطرة على الأمراض(CDC) الأشخاص الذين يتعافون من فيروس كورونا بأن يحافظوا على التباعد الاجتماعي وأن يرتدوا أقنعة الوجه، حيث يتعلم الباحثون مدى فعالية الأجسام المضادة في درء العدوى.
اكتشف العلماء أن دفاعات الجسم ضد فيروس كورونا – الأجسام المضادة والخلايا التائية والخلايا البائية – تستمر لمدة ثلاثة أشهر عندما تتخذ العدوى مجراها ، حتى بين المرضى الذين يعانون من حالات خفيفة، وفقًا لدراسة منفصلة لجامعة واشنطن (University of Washington) نُشرت يوم السبت.
بعد أن أشارت الأبحاث إلى أن أعداد الأجسام المضادة لأولئك الذين تعافوا يمكن أن تنخفض في غضون أشهر، تكهن البعض أن المناعة ضد الفيروس قد تكون قصيرة العمر. قالت عالمة المناعة والمؤلفة المشاركة لورين رودا (Lauren Rodda) إن أجهزة المناعة تنتج أيضًا عددًا أقل من الأجسام المضادة عندما لا تتعرض لهجوم فيروسي.
قامت رودا وغيرها من الباحثين بإحصاء الخلاياB و T التي تنتج الأجسام المضادة ووجدوا أن الأرقام ظلت ثابتة أو زادت.
وقالت رودا: “إن هذا يظهر أن الجهاز المناعي يعمل كما ينبغي”.
بينما يأمل العلماء في معرفة كيف يمكن لهذه الخلايا أن تحمي من الإصابة مرة أخرى من فيروس كورونا لدى البشر ، أظهرت الأبحاث الحديثة على قرود الريسوس (rhesus monkeys) أن التعرض الأولي لفيروس كورونا يوفر الحماية من الإصابة مرة أخرى أو المرض الخطير.
وقالت رودا: “هذه الدراسات التي تظهر أن العدوى الأولية هي في الواقع وقائية، على الأقل في القرود، بدأت في بناء هذه القصة الواعدة جدًا حول تمتع الناس بالحصانة لمدة ثلاثة أشهر على الأقل، وربما لفترة أطول ولكننا لا نعرف حتى الآن”.
هل مناعة القطيع ممكنة؟
إذا كان هناك أمل في أن الإصابة مرة أخرى غير مرجحة، فإن هذا يثير السؤال التالي: كم عدد الحالات التي ستستغرقها حتى تتمكن الدولة من الوصول مناعة القطيع؟
لا يوجد إجماع حول موعد وصول الولايات المتحدة إلى مناعة القطيع – وهي النقطة التي يكون فيها جزء كبير من السكان محصنًا، مما يجعل من الصعب على الفيروس الانتشار على نطاق واسع. تتراوح تقديرات فيروس كورونا من 40 إلى 80 بالمائة.
لكن خبراء الصحة العامة، بما في ذلك تريفور بيدفورد (Trevor Bedford)، العالم في مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان (Fred Hutchinson Cancer Research Center) في سياتل، حذروا من أن الناس يجب أن يحاولوا الاستمرار في التباعد الاجتماعي وارتداء الأقنعة لمنع انتشار الفيروس.
في حين أن “التفشي الكبير في أريزونا وفلوريدا وتكساس” قدمت مناعة كبيرة، “فان تكاليف هذه المناعة كبيرة وتستمر في التراكم” ، كما كتب بيدفورد على تويتر. “نحن بحاجة إلى لقاح لتحقيق مناعة للسكان بطريقة لا تقتل الناس.”
قد تظهر مناعة القطيع من خلال ظهور لقاح، لكن بعض الفيروسات التي لديها لقاحات متاحة، مثل الحصبة، يمكن أن تصيب الناس.
قال فلوريان كرامر (Florian Krammer) اختصاصي المناعة في كلية إيكان للطب (Icahn School of Medicine) في ماونت سيناي في نيويورك للواشنطن بوست: “إذا كانت لديك نسب كبيرة من السكان المصابين، فمن الصعب جدًا أن ينتشر الفيروس، لكنه قد يجد أماكن يمكن أن ينتشر فيها، لذلك فمن غير المرجح أن نتخلص من فايروس (SARS-CoV-2).”
هل سيحتاج الناس إلى لقاح فيروس كورونا سنويًا مثل الإنفلونزا؟
عندما يصبح اللقاح متاحًا للجمهور، لا يزال الباحثون غير متأكدين بعد من مدى فعاليته لحماية الناس من فيروس كورونا بمرور الوقت.
لقاح الانفلونزا جديد كل عام. قالت فورتشن إن عملية التحور الخاصة بالإنفلونزا عملية بالجملة، مما يعني أنها تستبدل أجزاء أكبر من جيناتها ، مقارنة بفيروس كورونا.
نظرًا لأن الفيروس الجديد لا يتغير بنفس إيقاع الأنفلونزا، فقد يحتاج الأشخاص إلى التطعيم مرة واحدة فقط.
قارنت فورتشن اختيار اللقاح باحتمالات المواعدة: “لا يوجد أحد مثالي، لكنك تختار فقط الخصائص التي تفضلها”.
ترجمة: حسن خنجر
تدقيق وتعديل الصورة: تبارك عبد العظيم
المصدر: هنا