قبل وصولِ جائحة كورونا، كانت جائحة الشعور بالوحدة موجودة بالفعل!
حيث أنه في عام ٢٠١٩، كانت هُناك إحصائيات قد أشارت إلى أن ثُلثي الأمريكيين قد سبق لهُم وشعروا بالوحدة سواء كان ذلك لفترة من الوقت أو حتى على نحوٍ دائم.
وبعد صدور التوجيهات بالإلتزام بالحجر المنزلي، أصبح هُناك ما يدفعني لأكون واحداً من العديد من علماء الاجتماع الذين قد ارتفعت حدة القلق لديهم إزاء إمكانية ارتفاع معدلات الشعور بالوحدة والتي قد تزيد من مساوئ الحجر المنزلي خلال الشهور القادمة.
وحسب ما أشارت إليه آخرُ الدراسات، أن معدلاتِ الشعور بالوحدة لم تستقر فقط بل أنها في بعض الحالات قد تحسنت، بالإضافة إلى أننا بصددِ الحصول على إجابات للعديد من تساؤلاتنا والبيانات تُعطينا سبباً للتفائل كما يبدو.
حيثُ أن ظرف التباعد الاجتماعي هو ما جعلنا نوقن أهمية علاقاتنا الاجتماعية والتي بدورها تؤثر على صحتنا و معدلات الوفيات كما هو الحال مع أبرز مُسببات الأمراض كما هو الحال مع التدخين والإفراط بالشرب.
وفي دراسة نشرتها مجلة العلوم النفسية الأمريكية(American Psychologists)، حيثُ قام الباحثون بإجراء مسح على مجموعة من الأشخاص في جميع أنحاء الولايات المتحدة والذين تتراوح أعمارهم بين ١٨و بين٩٨عاماً ضمن ثلاث فترات زمنية مختلفة: أولُ مرة كانت في أواخر كانون الثاني و في بدايات شهر شباط قبلَ أن يتفشى الفايروس في الولايات المتحدة؛
ثم بعد ذلك في أواخر آذار بعد أن بدأت إجراءات التباعد الاجتماعي وآخرُ مرة قد كانت في أواخر أبريل عندما كانت إجراءات الإلتزام بالحجر المنزلي جارية منذُ شهر.
وفي كُل مرة، يتم اختيار المشاركين عن طريق استخدام معيار (UCLA LONELINESS SCALE) والذي يتطلبُ منهم أن يقوموا بتقييم الجملة التالية ”أنا ألقى الدعم الاجتماعي والعاطفي الذي أحتاجه”
وبشكلٍ عام، لم يجد الباحثون تغيرات كبيرة في الشعور بالوحدة إلا أنه في الواقع قد ازداد الدعم الاجتماعي و العاطفي وبشكلٍ ملحوظ.
وفي دراسةٍ أخرى في الولايات المتحدة، بريطانيا و ٢٦ دولة أخرى أكدت على ما ينتجُ من هذه الدراسة حيثُ عمل الباحثون على نفس الأشخاص ولقبل و بعد جائحة فايروس كورونا مُستخدمين معيارهم السابق(UCLA) نفسه.
أن ما يُميز كلتا الدراستين هو متابعة نفس الأشخاص المشاركين قبل و بعد جائحة كورونا، وفي المقابل تم استخدام العديد من الأوراق البحثية والتي أبرزت زيادة في الشعور بالوحدة بعد أن كان الوباء أمراً حاصلاً بالفعل، مما يعني أننا لا نستطيعُ التأكد فيما إذا كان الأفراد الذين شملهم الاستطلاع قد كانوا يشعرون بالوحدة بصورة أكثر أو أقل من ذي قبل.
كما أن هُناك إستقصاءات أُخرى كشفت عن فروقات إضافية وهي كالتالي: بعد أن اكتسب الناس خبرة يومية في التعامل مع الشعور بالوحدة خلال الشهر الأول من فترة الحجر المنزلي، هُناك دراسة ألمانية أشارت إلى ارتفاع ملحوظ بالنسبة لمستوى الشعور بالوحدة متبوع بانخفاض، حيث تُشير هذه المعلومات إلى أن العزلة المفاجئة تسببت بارتفاع معدلات الشعور بالوحدة لكن سُرعان ما تمكن الناس من تطوير أساليب تساعدهم في الحفاظ على الأواصر الاجتماعية و الإنسانية في ظل الظروف التي أحاطت بهم.
مما يُثير الدهشة، أن معدلات الشعور بالوحدة بقيت مستقرة بشكلٍ عام في ظل هذه الظروف!
ولكي تكون لنا القُدرة على تجنب التداعيات الاجتماعية فعلينا أن نفهم أولاً، بأن العزلة الاجتماعية قد لا تكون بالضرورة مسبباً للشعور بالوحدة، في حين أن العزلة هي الحالة التي يكونُ فيها الشخص لوحده، لكن الشعور بالوحدة هو التجربة الذاتية التي يختبر فيها الشخص انقطاع التواصل و الانفصال عن من هم حوله.
خلال الأشهر القليلة الماضية، تبيّن لنا أهمية الاتصال و التواصل حيث أن الوباء قد جعل الناس أكثر حُرصاً و تقديراً لعلاقاتهم الاجتماعية.
ومنذُ وقت طويل و الباحثون يوقنون وعلى نحوٍ دقيق أن التواصل الاجتماعي يُدرء خطر السقم و المرض فضلاً عن الموت المبكر، و لكن وبسبب هذه الظروف فقط أصبح الجميعُ قادرين على رؤية ذلك سواء كان التواصل وقضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء والجيران على أرض الواقع أو افتراضياً، حيث أن من شأنه أن يُعزز من الصحة الاجتماعية.
وعلى نحوٍ مشابه، اتضح أن القيام بدعم مجتمعاتنا عن طريق التطوع، حياكة الأقنعة و إبداء مظاهر الشكر و الإمتنان للعاملين في القطاع الصحي من شأنه أن يُعزّز مشاعر الراحة و الانتماء.
وخلال أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، لاحظ الباحثون تدفقاً لمشاعر الود والحب والحس الجماعي.
وبالنسبة لكثيرٍ منا، كانت جائحةُ كورونا إلهاماً لمشاعر مشابهة لتلك التي رُصِدت في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر، كالشعورِ بالوحدة والروحية والتضامن حيثُ أننا لازلنا مع بعضنا البعض.
التكنولوجيا أيضاً كانت عاملاً مساعداً في تجنب الضعف الاجتماعي حيثُ أن المنظماتِ المحلية غير الربحية و المنظمات الوطنية قد قدمت برامج عن بعد تتميز بأنها متعددة ومتنوعة كبرامج التعاون-عن بعد-بين الأشخاص وأنظمة خاصة من قبل معاهد لرعاية كبار السن والذين يفوقُ عمرهم ال(٦٠)عاماً و العناية بهم.
وقد شَهِد الميدانُ التكنولوجي تسارعاً في الاختراعاتِ مع إنشاء منصات للمساعدة في الحصول على الإحتياجات المشتركة بالإضافة إلى إطلاق منتجات جديدة تقدم خدمات متعددة معنية بالتواصل بين الأشخاص.
كما أن صُنّاع القرار قد أقرُّوا بضرورة التحرك قانونياً لتعزيز الموقف و تقليلِ أخطار وتداعيات الشعور بالوحدة والإنفصال: وفي مارس(آذار)، أقرَّ مجلسُ النواب قانونَ دعم المسنين الأمريكيين لعامِ٢٠٢٠ والذي تضمن مواداً لمعالجةِ العُزلة الاجتماعية.
في حال إذا استمرت هذه الترندات، رُبما سيتحولُ التداعي الاجتماعي الذي كُنا نخافه إلى ثورة اجتماعية!
ومن المُفارقاتِ الممكنة، أن الوباء من شأنه أن يحفز التحولَ الثقافي الذي تتحّدُ فيه الأحياء والمجتمعات معاً لبناء عادات تواصل صحية.
وعندما نريدُ أن نعيدَ تخيّل المدن والمباني والمدارس وأماكن العمل، تصبحُ لدينا الفرصة لتصميمِ مساحاتنا الخاصة ومؤسساتنا وبطرق تُعزّز رفاهيتَنا الاجتماعية. وبإختصار، من الممكن أن تصبح أعراض جائحة الفيروس التاجي(COVID-19) علاجاً لوباء الوحدة.
ومن المؤكد أن هذه الترندات لا تعني أن كل شخص يشعرُ باللُّحمة الاجتماعية و عدم الانفصال وقد لا تكونُ معدلاتِ الوحدة قد تغيرت في المتوسط، لكن بعض المجموعات لها القُدرة على أن تتأثرَ أكثرَ من غيرها.
وبحسبِ دراسة نشَرتْها مجلة علم النفس الأمريكي(American Psychologists Study)، أوضحت من خلالِها أن كبارَ السن قد شعروا بالوحدة في بداية الأمر، أما بالنسبةِ للأشخاصِ الذين كانوا يعيشون بمفردهم أو كانوا يعانون من مرض مزمن فهُم بطبيعةِ الحال يُعانون من الشعورِ بالوحدة.
كما وتُشير أدلة أخرى إلى أن الأجيال الشابة والرجال على وجهِ الخُصوص والمقيمين في البلدان ذات الطبيعة الفردية معرضون ًبشكلٍ خاص للوحدة.
وفي الوقتِ ذاته، أن الفجوة الرقمية قد جعلت من كبار السن أكثر عُرضة للخطر لأن العديد منهم يفتقرون إلى وسائل التواصل الاجتماعي أو طلب الدعم عن بُعد.
ولا يزالُ أمامَنا طريقٌ طويل لنقطعه لغرضِ التقليل من الشعورِ بالوحدة على مستوى السكان، ولكن على الأقل حتى الآن لا يبدو أن(COVID-19) قد جعل الأمر أكثر سوءاً.
ومع تذبذبِ الحالات وإغلاق الوِلايات مرةً أُخرى، سوف يتطلبُ الأمرَ جهوداً مُتضافرة لضمانِ بقائنا على تواصل اجتماعي حتى أثناءِ تباعدنا.
ترجمة: رامي عدنان
مُراجعة: حَوراء جمِيل
نشر وتعديل الصورة: فرات جمال
المصدر: هنا