–
(يُصبح تحديد الماضي والمضارع والمستقبل مربكًا أكثر عندما نغوص في معرفة الفضاء).
قد يحدث ان يتحدث شخص ما عن حدث في زمن المضارع، كشيء على وشك الحدوث، ليعترض شخص آخر “تقصد أنه حدث منذ فترة طويلة ونحن لا نعرف عنه بعد!”. ولكن ماذا يقصد بعبارته هذه؟
تذكر كاتبة المقالة ان ذات الموقف حصل معها وتقول: كنت أتحدث عن قرب احتمالية انفجار عظيم لمنكب الجوزاء Betelgeuse. فجاء الرد من زميلي توم ليفنسون: “أو ربما قد إنفجر بالفعل!” تابعت حديثي قائلاً أن إنفجار الجوزاء قد يستغرق ١٠٠٠٠٠ سنة ليصل إلينا. وأجابني: “أو انه قد استغرق هذه الفترة اصلاً!” مضيفًا أن الخط الزمني أمرٌ مثيرٌ للجدل.
بالضبط. فلا يوجد شي مثل المسافات الفلكية وسرعة الضوء المحدودة لتبين لك غموض مفهوم “الآن”. فالحقيقة الغريبة هي أن كل تصور للعالم إنما هو تصور للماضي لا غير. ماندعوه بـ”الآن” هي تلك اللحظة فقط عندما يصلنا الضوء أو معلومات اخرى وأنه بالفعل يوجد فجوة بين إنطلاقة الحدث الى حين وصوله لكنها صغيرة لاندركها وهذه تشكّل فارقا زمنيا معلوماتيا وجزءًا لايتجزأ من فيزياء وجودنا.
إن أوضح مثال فلكي هو النجوم في سماء الليل. بالرغم من أن سرعة الضوء في فراغ الفضاء تصل ٢٩٩،٧٩٢ كيلومتر في الثانية (١٨٦،٢٨٢ ميل في الثانية)، الا انها تستغرق سنوات عديدة للإنتقال من نجم الى نجم آخر. فعندما يعطي الفلكيون قياسا بالسنين الضوئية فأنهم يصفون إنتقال شعاع الضوء عبر الفراغ في ذلك الوقت. يبلغ عمر أقرب نجم يمكن رؤيته بالعين المجردة ويدعى برجل القنطور أو الفا القنطور Alpha Centauri الى ٤،٤ سنوات عند وصوله إلى عينك. وهذا يعني ٤،٤ سنة ×٣١٥٥٧٠٠٠ ثانية× ١٨٦،٢٨٢ ميل في الثانية يعادل ٢٦ تريليون ميل.
أبعد نجم ساطع وهو ذنب الدجاجة أو الفا دينب Deneb، يبعد عنا حوالي ١٥٠٠ سنة ضوئية، هذا يعني أنه إذا نظرت إليه اليوم، فسترى الضوء الذي تركه النجم قبل ١٥٠٠ سنة. لذا إن نظرت إلى الفا دينب Deneb الليلة، هل أنت تراه “الآن” أم منذ ١٥٠٠ عام؟ إذن هل “الآن” هو الوقت الحالي لك أم لهم؟ أو هو ١٥٠٠ سنة في المستقبل؟
إن كان لديك جهاز تلفاز قديم، اضبط بثه لأعلى رقم قناة بدون إشارة. إن التشويش او “الثلج” الذي تراه على الشاشة هو انبعاثات موجية من الانفجار الكبير Big Bang. ماتراه الآن حدث قبل ١٣٨٠٠٠٠٠٠٠٠ سنة وهو جزء لايتجزأ من الكون بغض النظر عن متى يكون الآن.
لا يوجد شيء مميز بالنجوم والمجرات باستثناء أنها بعيدة جدًا. في الواقع، نرى كل شيء حولنا كما كان في وقت ما في الماضي. عندما ترى شيئًا ما، فإن عينيك تجمعان الضوء الذي ينبعث منه الجسم أو ينعكس عنه. إذا اقتربنا من المنزل مثلًا، تصبح الفجوة الزمنية أصغر لكنها لا تختفي أبدًا.
يستغرق ضوء الشمس ما يزيد قليلاً عن ٨ دقائق للوصول إلى الأرض، لذلك ترى الشمس كما كانت ٨ دقائق في الماضي. هل الجو مشمس في الخارج الآن؟ حسنًا، قد يكون المشهد مشمسًا، لكن ضوء الشمس عمره ٨ دقائق. هل أنت متأكد من أن الشمس لا تزال موجودة “الآن”؟
حسنا، انظر عبر الشارع الى منزل يبعد ١٠٠ قدم عنك، هل تدرك أنك تنظر إلى ١ / ١٠،٠٠٠،٠٠٠ ثانية في الماضي؟ إذا كان هاتفك أو شاشة الكمبيوتر الخاصة بك على بعد قدم واحدة أمام وجهك، فأنت تراه كما لو كان جزءًا من مليار من الثانية في الماضي. يمكنك الاقتراب من الحاضر، ولكن لا يمكنك أبدًا الوصول إلى هناك. حرفيًا، نحن جميعاً نعيش في الماضي.
الطريقة الوحيدة لفصل نفسك عن هذا الجنون الزمني هي اعتماد نسخة شخصية من النسبية. الطريقة الأكثر منطقية لتحديد توقيت الحدث هي تبنّي فكرة أن “الآن” هي اللحظة التي تصل إليك فيها معلومات الحدث. على هذا الأساس، فلم يحدث الأنفجار الأعظم للجوزاء Betelgeuse لحد الآن، مع ذلك، من الممكن أن يحدث قريبًا.
ترجمة: زينب عبد الكريم
مراجعة وتعديل الصورة ونشر: تبارك عبد العظيم
المصدر: هنا