المشاكل “الغريبة” لعلم النفس

توصل علماء النفس والسلوك، سنة 2010، إلى إدراك تطوري مفاده أن ليس كل الناس متشابهين كما هو الحال مع طلاب الكلية الأمريكية الشمالية. كان الإفتراض سابقاً أن الجنس البشري يتشارك بأساسيات الإدراك، والسلوكيات، وعلم الأحياء، والعواطف. لذا لماذا تُجرى الدراسات على البشر ؟ على سبيل المثال، قد يفترض أحدهم أنه لا يوجد إختلاف في كيفية توسع بؤبؤ العين في الأشخاص حول العالم. لكن على أي حال هذا ليس صحيحاً، أُجريت دراسة مقارنة بين الأطفال الأوربيين والموكين (وهم سكان جزر بحر اندامان الآسيوي) وجد أن الأول تحت الماء يوسعون‏ بؤبؤ أعينهم لكن الأخير يضيقون أعينهم لتحسين الرؤية. الأطفال الأوربيون، كما هو واضح بسبب عدم حاجتهم للرؤية الصحيحة تحت الماء، فهم يملكون عيون مغشاة عندما يكونون تحت الماء،
لكن أطفال الموكين الذين يعيشون في حياة شبه بدوية تعتمد على البحر لذا فهم يحتاجون تركيز نظري لأداء المهمات تحت الماء مثل جمع الطعام، لذا كما هو واضح أن التجارب الثقافية تستطيع تغيير بناء جسم الإنسان.

‏دعونا نأخذ مثال آخر وهو الركض. بعض عدائي العالم يعتمدون على أحذية ركض مزودة بوسائد، والبعض الآخر يركض حافي القدمين. أظهرت الدراسات أن الذين يستخدمون أحذية الركض يتوقفون بشكل مختلف عن الذين يركضون حفاة الأقدام. هذا يستدعي السؤال التالي: إذا كانت وظيفة ذات مستوى منخفض مثل النظر أو تطور قدم الإنسان مختلفين بشكل كبير بسبب الإختلافات الثقافية، إذاً كيف لنا أن ندعي أن علم النفس أو علم السلوك بشكل عام (الذي يعتمد في دراسته على مجموعة من الناس) يُطبق على كل شخص حول العالم ؟ كيف يمكن تسمية علم النفس بالعلم الذي يهتم بسلوك الإنسان إذا كان يدرس سلوك أفراد محددين ؟

الإعتقاد بأن ليس كل الأشخاص متشابهين، وإن الثقافة بإمكانها تغيير أساسيات علم الأحياء لم يتغيران منذ سنة 2010. إستمر عدد كبير من المشتركين في تجارب علوم السلوك بتمثيل المجتمع الغربي، والمتعلم، والصناعي، والغني، والديمقراطي (Western, Educated, Industrialized, Rich, and Democratic – WEIRD) والتي تعطي فقط 5% من تعداد سكان العالم. على سبيل المثال، في مجلات الجمعية الأمريكية لعلم النفس الست الأولى، 68% ‏من نماذج الدراسات ‏مأخوذة من الولايات المتحدة، و96% من بلدان [WEIRD].

‏قد تفكر أنه لا بأس وأن هذه المجلات هي عامة وتغطي مواضيع يُعتقد أنها عالمية. إذن ماذا عن مجالات مثل علم النفس التطوري والبين ثقافي التي تعتمد على الإختلاف في العينات المدروسة ؟ أتضح أنها لا تختلف: ففي 893 مقال منشور في2015 و 2016 في مجلات علم النفس البين ثقافي الخمس الأولى أنه 96% من المشاركين كانوا (WEIRD) وأكثر من 85% كانوا أمريكيين.

‏في سنة 2012، في مجلة سلوك الإنسان والتطور (المجلة الرسمية لسلوك الإنسان والمجتمع التطوري) فإنه 65% من العينات المستخدمة كانت (WEIRD)، وفي 180 ورقة بحث نشرت في سنتي 2015 و 2016 في اثنتين من مجلات علم النفس التطوري(علم النفس التطوري وسلوك الإنسان وتطوره) فإنه 81% من العينات هي من مجتمعات (WEIRD) و89% من البلدان المتقدمة بالإضافة إلى 44% كانوا طلاب. ‏السؤال هنا هو كيف أثبت العلماء إستقراء النتائج من هذه العينات الصغيرة والمتجانسة تقريباً ‏ثم تسميتها بعلم سلوك الإنسان ؟

‏معظم الباحثين السلوكين هم من بلدان (WEIRD). الدراسة الأخيرة، على سبيل المثال، توضح لنا أن هنالك ثلاث رموز بريدية في الولايات المتحدة لأكثر من 50% من الأبحاث المنتشرة في المجلات الخمسة الأولى في علم الإقتصاد. من المحتمل أن هؤلاء الباحثين ‏يجذبون متشاركين من مؤسساتهم، أو ربما حتى من أقسامهم.

يُمكن أن يكون لهذا انحياز تفسيري وذلك لأن الثقافات الأخرى تعتبر متطرفة. فعلى سبيل المثال، ما يعتبر ممارسات غريبة في بعض الثقافات مثل الدخول في مرحلة البلوغ، هي غالباً تعتبر مرحلة “غريبة” ولذا فإنها لا تُدرس على الإطلاق. قد ييقول محرروا ومراجعوا المجلات أنها ليست من إهتمام العامة، معنى ذلك أنهم لم يروا هذا يحدث في 12% من سكان العالم (أنها ليست عادية). لذا تدرس مجموعة متجانسة تنافسية من الباحثين مجاميع متجانسة تنافسية من السلوكيات مناقضين بذلك ‏تعددية علم النفس البشري.

الوضع ليس غامضاً، وعلى أي حال، يتم إجراء بعض التغييرات. فعلى سبيل المثال، المجتمعات والمنظمات مثل مجتمع تطوير علوم النفس، ومعاهد التعليم والبحوث المفتوحة المنتشرة عالمياً (IGDORE) هي في عملية تطوير أنظمة تتعاون مع الباحثين حول العالم،
‏فمثلاً، المشاريع مثل مجموعة (Many Lab & Many Babies) يعملون بإتجاه التعاون مع مختبرات أخرى منتشرة جغرافيا بالإضافة إلى أن يعمل معجل العلوم النفسية بإتجاه نظام رفيق الذي من خلاله تستطيع المختبرات من الدول النامية أن تتعاون مع المختبرات من الدول المتقدمة. إضافة إلى أن المجلات مثل علوم علم النفس أدرجت مشكلة العينات المتجانسة لكن من دون أن تحدد أي خطط عمل.

في النهاية، تعتبر هذه قضية ثبات وصحة، ويجب أن يتم التعامل معها على هذا الأساس. في نهاية المطاف، ما هي نقطة العلم التي لا تدرس غالبية السكان ؟

 

 

 

ترجمة: أميمة محمد

تدقيق: ياسمين القزاز

تعديل الصورة: Abilta E Zeus

نشر: تبارك عبد العظيم

المصدر: هنا