يُشكل الكبت رُكنًا أساسيًا من آليات الدفاع النفسية والخطوة الأولى لظهور الأعراض المرضية التي لا تعدو كونها تعبيرًا مقنعًا وملتويًا عن المكبوتات. فالذات تدفع خارج نطاق الوعي كل التصورات والرغبات والصدمات التي تهدد توازنها وتولد لها القلق، بحيث يصبح الكبت هو الدفاع الأول ضد القلق.
ومن خصائص الكبت أن المواد المكبوتة لا تزول، بل تظل فاعلة.
والكبت في الأساس هو نظرية اللاوعي الفرويدية لدى المرضى والأصحاء على السواء.
من المصائر المحتملة للحاثة الغريزية أن تصطدم بمقاومات ترمي إلى شل فعاليتها. تجد الحاثة الغريزية نفسها عندئذ في وضع الكبت، ولو كان الأمر يتعلق بمفعول إثارة خارجية، لكان الهرب هو الوسيلة المناسبة، لكن الهرب لن يجدي نفعًا في حالة الدافع الغريزي، إذ لا يستطيع الأنا أن يتملص من ذاته.
لذلك يكون النبذ عن طريق الحكم -الإدانة- وسيلة لا بأس بها ضد الحاثة الغريزية. والطور المُمهد للإدانة، أو الحد الوسط بين الهرب والإدانة، ذلك هو الكبت.
ومن خصائص دوافعنا المكبوتة إنها مجموعة قوى جامحة تعبر عن نفسها في ثورات غير مسيطر عليها وتظهر آثارها في حالات الفوبيا والهستيريا التي تنتاب البعض منا وبعض حالات الأفعال الاندفاعية والافكار الوسواسية وتبدو أكثر وضوحًا في ما يصدر عنا من زلات لسان غير مسيطر عليها أو فلتات في أفعالنا وحتى مجموعة الكوابيس والأحلام التي تقتحمنا.
لنرجع إلى التجربة السريرية كما تعرض لنا في الممارسة التحليلية النفسية، إنها تُعلمنا أن إشباع الدافع الغريزي الخاضع للكبت ممكن هو الآخر بكل تأكيد، وعنه تتأتى في كل مرة لذة؛ لكن إشباعاً كهذا لا يتفق مع مطالب وغايات آخرى، بل هو يخلق لذة في موقف وتنغيص في موضع آخر. وينجم عن ذلك أن للكبت شرطًا وهو أن يكتسب حافز التنغيص قوة أعظم من قوة الإشباع! بل أن التجربة التحليلية النفسية تُرغمنا على الاستنتاج بأن الكبت ليس أولية دفاعية موجودة منذ البدء بل هو لا يتأسس قبل حدوث انفصال واضح بين النشاطين النفسيين الوعي واللاوعي، كما تعلمنا أن ماهية الكبت لا تتمثل ألا في ما يلي: الإقصاء عن الوعي والأبعاد عنه.
الكبت واللاشعور متلازمان إلى حد كبير بحيث نجد لزامًا علينا أن عند التعمق في الكبت، أن يتوفر لدينا المزيد من المعلومات عن بنية تسلسل السلطات النفسية وعن التمايز بين الشعور واللاشعور.
اعداد: فرح علي
المصادر :
١.علم ما وراء النفس/ سيغموند فرويد
٢.التحليل النفسي؛ علمًا وعلاجًا وقضية/ مصطفى صفوان
٣. الجنس/ سيغموند فرويد