كانت الأتصالات مع الأساطيل السرية في الحرب العالمية الثانية تتطلب بعض المعدات الخاصة.
فمثلاً : ما الذي تفعله عند ما تريد الأتصال مع 50 طاقماً من البحارة، مغمورة داخل الغواصة في مكان مجهول عبر محيطات العالم؟
وهذا السؤال كان من الصعب الأجابة عليه من قبل قادة القوات البحرية في الحرب العالمية الثانية.
إن الموجات الراديوية لا تنتقل بسهولة خلال المياه المالحة، مما عنت أن الأتصال مع طاقم العمل يتطلب وجود هوائي في الغواصة؛ ويجب على الغواصة أن تطوف فوق سطح الماء من أجل الوصول إلى أتصال فعّال. كان هذا يمثل حلاً واضحاً، ولكنه جعل من الغواصة المخفية هدفاً ظاهراً للعدو.
الحل للمشكلة
أكتشفَ المهندسون المكلفون بالبحث عن حلٍ خفي لهذه المعضلة، أن الموجات الراديوية ذات ترددات واطئة، حوالي 10 كيلوهرتز. وبالتالي يمكنها أختراق المياه المالحة بعمق 20 متراً. وأدرك المهندسون بأنه إذا تحولت الترانسبوندرات _أجهزة أستقبال الموجات الردايوية_ في الغواصات إلى ترددات واطئة، عندها سيصبح بأمكانهم الأتصال مع القيادة في البر.
كانت المشكلة في هذه الفكرة هي إنتاج وبث تلك الموجات الراديوية الواطئة التي تتطلب هوائيات عملاقة أساسياً، كلما كانت الموجات الراديوية الواطئة تطلبت هوائيات طويلة وكبيرة.
وقد ركزَ المهندسون على نطاق ذات ترددات أقل من 30 كيلوهرتز للغواصات الأتصالية. طول موجة هذه الترددات كان ما يقارب 10 كيلومترات أو أكثر.
يعني هذا أن المهندسين سوف يحتاجون إلى هوائيات عملاقة. والطريقة الوحيدة لإنتاج هذه الترددات بمثل هذه النطاقات العالية كان بأستعمال أنظمة هوائيات عملاقة مع كميات عالية من الطاقة.
حيثُما كان المهندسون النازيون يبحثون عن طريقة للأتصال مع أسطولهم المسمى يو بوت (U-boat) صمموا شبكة هوائي كولايث في ساكسونيا أنهالت/ ألمانيا. وبعد البناء، عمل الهوائي خلال الحرب العالمية الثانية. وكان لديه طاقة بث تفوق 1,000 كيلووات. وللمقارنة، فأنها مساوية للطاقة المصروفة ل500 منزل أمريكي تقريباً.
جهاز البث الراديوي كولايث
كانت شبكة كولايث تبث بشكل منتظم ترددات ما بين 15 كيلوهرتز، و 25 كيلوهرتز. وكانت قوية كفاية، لتصل إلى أي غواصة ألمانية في أي مكان كانت، وعمق يصل لغاية 20 متراً تحت الماء. الفترة الوحيدة التي كان ينقطع فيها الأتصال هو عندما تكون الغواصة تتنقل عبر المضايق النرويجية العميقة.
وقد استخدم هوائي كولايث ثلاث مظلات هوائية مختلفة. كانت هذه الأبراج الهوائية العملاقة مسندة ((بأسلاك الغي مشعة من الصارية)). وهذا لم يدعم الأبراج الهوائية فقط، بل كانت جزءاً من الهوائي نفسه.
استخدم النظام ثلاث صواري ذات 210 متراً منظمة على شكل مثلث. وكان للنظام أيضاً أسلاك مدفونة تحت الأرض حوله بطول 250 كيلومتر. بمجرد أكتماله، كانت ذات كفاءة 50% في تردد 15 كيلوهرتز و90% في تردد 60 كيلوهرتز.
وهذا الموقع المتميز للهوائي العملاق كان بلا شك أداة استراتيجية رئيسة استخدمت من قبل البحرية الألمانية للتواصل مع غواصتهم اليو بوت.
وبعد أنتهاء الحرب، جاءوا السوفيت وفككوا شبكة كولايث الهوائية ثم نقلوها إلى روسيا، ونصبوها بالقرب من موسكو.
اليوم لا تزال واحدة من الأبراج تعمل للأتصال بترددات واطئة مع الغواصات، ولبث ((إشارات الوقتية))
الغوص إلى كيفية عمل الشبكات ذات الترددات الواطئة
يوجد ترددات راديوية واطئة في كل مكان بنطاق 30 إلى 300 كيلوهرتز وبأطوال موجية ذا نطاق 1-10 كيلومتر.
وبسبب طول مدى موجاتهم، فأنهم يعدون من الأدوات المناسبة لشبكات أتصالية بعيدة المدى. وتستخدم الموجات الراديوية الواطئة في محطات الردايو حول العالم، حيث يسمح لهم ببث الرسالة نفسها من المحطة الرئيسية التي تبعد مئات الكيلومترات.
واحدة من الوظائف الأخرى للموجات الراديوية الواطئة هو قدرة موجاتهم الطويلة على الحيود من عوائق فيزيائية كبيرة، مثل الجبال، أو حتى الأرض. إن الموجات ذات الترددات الواطئة يمكنها متابعة أنحناء الأرض بسهولة بأستخدام الموجات الأرضية المنتشرة. والموجات الترددية الواطئة المرسلة عبر الأرض يمكن أستقبالها على بعد 1,200 ميلاً عن المصدر.
الطريقة الأخرى لبث موجات راديوية واطئة إلى مسافات نائية هو بجعل الموجة عمداً ينعكس من طبقة الأيونوسفير، ويطلق على هذه بأنتشار المتخطي أو الموجة السماوية، وهو ما يسمح بالترددات لتُبث إلى مسافات تبعد 190 ميلاً عن مصدر البث. ليست ذات بعد كأنتشار الموجة الأرضية، ولكن لا تزال مبهرة.
ثمة فائدة أخرى من الموجات الترددية الواطئة، حيث تم التأكد عن طريق استخدام كولايث، أن الموجات ذات الترددات والهرتزات الواطئة تحت 50 كيلوهرتز، يمكنها أختراق أعماق المحيطات بحوالي 200 متراً. وكلما يزداد طول الموجة يصبح الأختراق أعمق، وأعمق.
غالبية القوى العظمى اليوم لا تزال تستخدم بعض أشكال البث ذات الموجات الواطئة للأتصال مع غواصتهم، والمركبات تحت المائية. حيث أن تواجد الغواصة البحرية الملكية النووية بالقرب من المملكة المتحدة يمكنها من العثور على موجات ذات تردد 198 كيلوهرتز لتلقي أوامر بإطلاق صواريخها الباليستية.
وقد بنت الولايات المتحدة ما يسمى بشبكة الموجة الأرضية الطارئة (GWEN). التي عملت بنطاق 160 و175 كيلوهرتز حتى العام 1999م. عندما تفوقت الأقمار الصناعية على شبكات عديمة الفائدة ذات موجات واطئة.
ترجمة : محمد كريم
تدقيق : محمد عبد
تعديل الصورة : فرات جمال
المصدر : هنا