العلاج الوهمي (Placebo) : هو علاج خالي من أي مادة طبية يمكن أن تحدث تأثير بيولوجي ملموس داخل الجسم الحي. أي أن تأثير الدواء الوهمي هو رد فعل نفسي حيوي لمادة خاملة طبياً، مثل حبة السكر. حيث تم تصميم هذه المادة (التي يطلق عليها اسم الدواء الوهمي) لإعطاء إحساس دقيق بالدواء الحقيقي، ولكن ليس لديها أي خصائص طبية خاصة بها. ومع ذلك ، تحاكي آثاره، إلى حد ما، آثار الدواء الفعلي.
لقد لوحظ أن الأدوية المزيفة يمكن أن يكون لها مفعولاً، على الأقل إلى حد ما. على سبيل المثال، يمكن أن تتسبب حبة السكر أو الكبسولة الفارغة التي تُعطى للأشخاص الذين يعانون من الإكتئاب في تهدئة الأعراض لديهم تماماً كما تفعل مضادات الإكتئاب الحقيقية. ربما تكون قد جربت الشعور بالراحة فور إستخدامك مسكن للألم، على الرغم من أن تأثيره يستغرق بعض الوقت ليظهر بالفعل. يحدث هذا بسبب ظاهرة رائعة وغريبة تسمى تأثير الدواء الوهمي.
كيف يعمل الدواء الوهمي؟
عمل الدواء الوهمي ليس سحرياً. بل هو نتيجة لتفاعل العوامل النفسية والبيولوجية داخل الجسم.
في البداية كان يعتقد أنه شيئ تخيلي، أو نفسي بحت، ولكن وجد مؤخراً ان له استجابات بيولوجية حقيقية ! ولقد أثبتت الأبحاث أن الآثار الناجمة عن الدواء الوهمي يمكن أن تسبب تغيرات ملموسة في آليات الدماغ ومسارات الإشارات العصبية الحيوية.
إن الإستجابة البيولوجية للأدوية الوهمية تحدث نتيجة توقعنا للشفاء. نشعر بتحسن بعد تناول الدواء الوهمي لأننا نتوقع أن يعمل الدواء.
يؤدي توقع الإرتياح إلى تحريك القدرة الطبيعية لجسمنا على الشفاء وتفعيل مركز المكافآت في الدماغ، وإطلاق الإندورفين. إن الإندورفين، والمعروف أيضاً بإسم “مسكنات الألم الطبيعية”، يشبه كيميائياً المسكنات الأفيونية (مثل المورفين) ويسبب تخفيف للألم بطريقة مماثلة. تؤدي هذه العملية أيضاً إلى إفراز مادة الدوبامين، وهي مادة عضوية تؤدي دور هرمون وناقل عصبي متعلق بتخفيف نسبة الأحساس بالألم.
وبالتالي، فإن الدواء الوهمي، يكون بدون خصائص طبية فعلية خاصة به، ولكنه يقلل الألم دون فعل أي شيء. إنه ببساطة يخدع أذهاننا لإقناع جسدنا بأنه في الواقع دواء حقيقي، وبالتالي يحفز الشفاء.
هذا يعني أن تأثير الدواء الوهمي لن يظهر إلا إذا كنا نتوقع ونعتقد تماماً أننا سنشعر بالتحسن. نتيجة لذلك، على سبيل المثال : لن ينجح الأمر إذا تناولنا حبة السكر بأنفسنا. ومع ذلك، إذا ذهبنا إلى المستشفى، وشرحنا مشكلتنا لطبيب موثوق به ومن ثم يعطينا نفس حبة السكر (دون أن نعلم أنها ليست دواء حقيقي)، فإننا سنؤمن بالقدرات العلاجية للحبة ونتوقع عملها.
يضاف الى ذلك، علاقتنا بالطبيب، إذ أن مستوى الراحة الذي نشعر به مع الطبيب وكمية الثقة التي نضعها فيه تؤثر بشكل كبير على حجم تأثير الدواء الوهمي. كما أن طمأنة الطبيب وإيمانه الواضح بفعالية العلاج يقطعان شوطاً طويلاً في تحديد إستجابة جسمنا للعلاج الوهمي.
مع ذلك، فإن الدواء الوهمي لا يمكنه علاج الأمراض ؛ لكنه يمكن أن يساعدنا فقط في تهدئة آلامنا والشعور بعدم الراحة من خلال العمل على الأعراض التي ينظمها دماغنا. بالإضافة إلى تخفيف الألم، يمكن أن يكون مفيد في معالجة الحالات المتعلقة بالأرق والمرتبطة بالتوتر، والقلق، والغثيان، والتعب، وإلخ.
– ما هو تأثير نوسيبو ؟
تأثير نوسيبو (أو المريض بالوهم) هو عكس تأثير الدواء الوهمي. إذ بينما تتسبب التوقعات الإيجابية في تأثير الدواء الوهمي، والذي يقلل من الألم ويسبب الشفاء، إلا أن التوقعات السلبية تتسبب في حدوث تأثير نوسيبو، الأمر الذي يجعلنا نشعر بالسوء. على سبيل المثال، إذا كنا نعتقد بقوة أن العلاج سيكون له آثار جانبية، فسنواجه هذه الآثار الجانبية بالفعل، على الرغم من أن العلاج كان مزيفاً.
يمكن أن ينتج هذا التأثير عن إقتراحات لفظية، أي أن تحذير شخص ما من الألم يمكن أن يسبب له ذلك بالفعل. الأشخاص الذين حُذروا من أن تمرير تيار كهربائي خفيف من خلال رؤوسهم سيؤدي إلى حدوث صداع لديهم، أدى إلى حدوث صداع لديهم بالفعل، على الرغم من عدم وجود تيار حقيقي !
لا يزال هذا التأثير غير واضحاً ولا يمكن تفسيره بشكل كاف من حيث آلياته البيولوجية. حيث يقترح أنه، على غرار الطريقة التي تؤدي بها توقعات تخفيف الإلم الى افراز الإندورفين، فإن توقع الآثار الضارة قد يؤدي إلى إفراز هرمونات التوتر، مما يؤدي إلى الآثار السلبية لتأثير نوسيبو.
من المثير للإهتمام أن نلاحظ أن نفس المادة الخاملة التي كانت بمثابة الدواء الوهمي (placebo) تتحول إلى مادة (nocebo) في ضل وجود توقعات سلبية.
– هل يستخدم الدواء الوهمي في التجارب السريرية؟
لقد أثبتت الأدوية الوهمية أنها مفيدة جداً في إجراء التجارب السريرية لإختبار فعالية العلاجات، وخاصة بالنسبة لأدوية الألم. وفي مثل هذه التجارب، ينقسم الأشخاص إلى مجموعتين، مجموعة تحصل على الدواء الحقيقي، والأخرى تحصل على الدواء الوهمي. ثم يتم تسجيل ردود الفعل من كلتا المجموعتين ومقارنتها.
فإذا كانت درجة التحسن التي يقدمها الدواء الحقيقي ليست أعلى بكثير من تلك التي يقدمها الدواء الوهمي، فلن تتم الموافقة على الدواء، حتى لو أظهر تحسناً في حالة المريض. حيث يجب أن يكون التحسن الذي يحدث عند تناول الدواء الحقيقي هو مجموع آثاره الكيميائية الحيوية وتأثيراته الوهمية. لذلك، إذا كان الدواء لا يمكن أن يتفوق على الدواء الوهمي الخامل طبياً، فيجب رفضه !
والسؤال المنطقي هو: إذا كانت الأدوية الوهمية قوية وفعالة، فلماذا لا يصفها الأطباء كعلاج ؟
– لماذا لا يصف الأطباء الدواء الوهمي ؟
إن اإستخدام الدواء الوهمي كعلاج فعلي أمر منطقي، نظرًا لاستخداماته المذهلة. علاوة على ذلك، فإن هذا من شأنه أن يخفض تكاليف العلاج، لأن الدواء الوهمي هو مجرد حبة سكر.
ولكن لكي يعمل الدواء الوهمي، يجب على الأطباء “خداع” مرضاهم عن طريق إخفاء حقيقة أنهم يصفون دواء وهمي. يعتبر هذا تصرف غير أخلاقي من قبل العديد من المهنيين الطبيين، لأن المريض لن يكون في وضع يسمح له بإعطاء موافقة مستنيرة على العلاج. في الواقع، حظرت الجمعية الطبية الأمريكية إستخدام الدواء الوهمي دون موافقة المريض، وهذه حقيقة موضحة في سياستها الأخلاقية المنقحة في سنة 2006.
إن إعطاء الدواء الوهمي للمرضى من شأنه أن يعرض رابطة الثقة بين الطبيب والمريض للخطر إذا اكتشف المريض أنه قد خُدع. علاوة على ذلك، فإن العالم الذي يسمح بوصفة الدواء الوهمي سيتعرض أيضاً لخطر وجود أطباء قد يغريهم ببساطة كتابة وصفة طبية وهمية، مما يؤدي إلى العديد من حالات الإهمال والتشخيص الخاطئ.
ومع ذلك، يمكن للأطباء دائماً إنشاء تأثير وهمي من خلال لطفهم وتعاطفهم وقدرتهم على بناء علاقات هادفة مع مرضاهم.
ترجمة : Lamiaa Alaidee
تدقيق : Jazmine A. Alkazzaz
تصميم ونشر : Furat Jamal
المصدر : هنا