آنّا كارنينا هي بطلة الرواية الخالدة للكاتب الروسي الشهير ليون تولستوي والتي تعد واحدة من أعظم الأعمال الروائية في تأريخ الأدب الروسي، صدرت الرواية في عام 1877 باللغة الروسية، وترجمت إلى معظم لغات العالم، وهي تعد عصارة فن تولستوي وخاتمة أعماله، إذ لازالت الرواية مثيرة للجدل حتى اليوم لما ناقشته من قضايا إجتماعية واجهت المجتمعات الإنسانية بعد الثورة الصناعية.
و آنا هي إمرأة متزوجة، ومن الطبقة النبيلة في المجتمع الراقي، يمتلك زوجها مركزاً إدارياً، وإجتماعياً قوياً، ولديها إبن عمره خمس سنوات.
أما عن طبيعة شخصيتها فكما صورتها الرواية على أنها امرأة تتحكم بعواطفها، وتصرفاتها، بطريقة عقلانية نابعة من ذكاءٍ حاد، وهي تعرف مكامن الضعف في شخصية المقابل لها، وبجهد يسير منها تصحبهُ قوة في اللغة، وحضور مؤثر.
في أثناء حياتها اليومية ألتقت بفرونسكي وهو ضابط شاب في الجيش، والذي أحبته رغم مقاومتها لرغباتها، والقيود المفروضة عليها، والواجبات الأخلاقية كزوجة، وكأم، وسيدة فاضلة في المجتمع.
مثلما أسلفنا فإن آنا كانت تمتلك من قوة الشخصية والكاريزما لدرجة أن أي شخص خلال فترة لقاء قصيرة معها سيهتز بسحرها وبريقها، وتبقى صورتها في عقله تومض لوقت طويل.
وهنا إقتباس من الرواية أثناء لقاء آنا مع ليفين أول مرة :
(ليفين: كانت كل كلمة مع آنا لها معناها، كان الكلام معها ممتعاً. وأشد إمتاعاً منه الإستماع إليها، لم تكن آنا لتعبر عن ذكائها وذاتها فحسب، بل إنها لم تنزع في أحاديثها إلى التباهي، ولم تكن تنسب لأفكارها أدنى قيمة، إنها كانت تمحي نفسها أمام محدثها…
وكان ليفين وهو يتكلم، يتأمل آنا وجمالها وفكرها، ويحاول جاهداً أن يكتشف عواطفها وقال في نفسه أثناء خروجه : يا لها من إمرأة غريبة وفاتنة، إنها إمرأة نادرة، ليس فكرها وحده الذي يلفت النظر إنما قلبها أيضاً، إنها تثير منتهى شفقتي.)
وبعد إن إنتهى اللقاء ظل ليفين يفكر بها لكن آنا لم تكن تفعل وهذا كلامها في الرواية :
(بعد أن ودعت ضيوفها أخذت تفكر في تصرفها مع ليفين، وإنها بذلت ما بوسعها لتوقض حبه لها، ومع أنها كانت تعلم إنها بلغت حدها مع رجل متزوج يحب زوجته، وشريف في أمسية واحدة… فإنها كفّت عن التفكير به بعد إن إنصرف)
وهنا تظهر قدرة آنا وسيطرتها، والأمكانيات والسمات التي لديها، لكن للأسف لم تكن تملك السيطرة على عواطفها.
بعد ما تركت زوجها، سكنت آنا مع عشيقها مخالفة بذلك كل التقاليد، ومتحدية كل المجتمع. لقد طرأ على آنا تغير كبير لدرجة فقدانها كل سماتها، وبريقها، فقدت تلك الشخصية المثالية، وسحرها، وأيضا نتيجة المعاملة التي تلقتها من المجتمع الراقي ومن والدونية والحقارة التي واجهتها كونها إمراة خائنة لزوجها، وكانت هذه الإهانات التي وجهت إليها بسبب إرتباطها بعلاقة مع ضابط أعزب، الوساوس والمشاعر السلبية، والهلوسة والتخيلات، والخواطر والهذيان، ومرحلة اليأس والكآبة، وتناولها لأدوية مسكنة للآلام والأكتئاب، فالمرحلة التي وصلت إليها آنا كانت السبب في فقدانها وسحقها، وإنحطاط شخصيتها.
تمثلُ آنا كارنينا في الرواية أولئك الناس الذين يتبعون الشهوة والأهواء. لكن هنا كان حضور للعواطف النبيلة، وبحسب كلام النقاد حول الرواية فإن ذلك هو الذي جعل آنا تتخذ سعادتها الهدف الأسمى في حياتها، وتترك ورائها كل إلتزامتها ووعودها التي من ضمنها وعد الزواج المقدس بإعتبارها كائن بأجمل مراحل عمره، وأيضاً بسبب أعتقادها بظلمها في زواجها الحالي أتخذت آنا درب الحب، والعواطف الملتهبة، الجياشة.
ثمة سؤال هنا يطرح نفسه :
هل يمكن أعتبار آنا كارنينا مذنبة وخاطئة أم أن ما فعلته هو حق من حقوقها وهو السعي للسعادة؟
يقول الروائي فيدرو دوستويفسكي في هذا الصدد : “إن هناك طريقتين للإجابة عن هذا السؤال، كل ما علينا فعله هو وضع آنا كارنينا في منظومة أخلاقية ومعيارية وقيمية.”
وهذه الطريقة يراها دوستويفسكي عقيمة وساذجة؛ لأنها تفصل بين المنظومات القيمية والواقع الإنساني، فتضع تصوراً مثالياً عن الأخلاق.
بينما تمثل الطريقة الثانية النظر إلى المجتمع والحكم على طبيعة أفراده من خلال العلاقات الموجودة فيه، وبما أن المجتمع في ذلك الوقت كانت هيكلته البنيوية غير صحيحة، وكان أساسه ضعيف فليس من الحق أن يحاسب أفراده على نتائج أفعالهم، أي أن المجرم هو غير مسؤول عن فعلته، والجريمة بذلك غير موجودة.
ولكي نتخلص من الجرائم والأخطاء الإنسانية يجب أن ننهي تشوه المجتمع، ونعدّل تركيبته الخاطئة.
هكذا يرى دوستويفسكي أن الحكم على آنا وحدها وتجريمها، دون الأخذ بأعتبارات الواقع المختّل للمجتمع الذي كانت تعيش فيه، تعد مثالية ساذجة لا تعمل إلا على تكريس الواقع المختّل.
المقال إعداد: إبراهيم موسى
تدقيق لغوي : Mohamed Abd
تصميم: Ali Husham
نشر: Samah Salah