أكتشف أخصائي نفسي، في سنة 2015، في إيطاليا كيفية إحداث حالة وعي متغيرة من دون إستخدام الأدوية لمدة 20 دقيقة متتالية.
لم تكتفي المهمة البسيطة الغريبة بالتجربة المخادعة خارج الجسم للمتطوعين، بل تسببت لهم أيضاً برؤية هلوسات عن وحوش، وأقاربهم، وأنفسهم في وجه شريكهم.
تضمنت التجربة، والتي اجراها جيوفاني كابوتو (Giovanni Caputo) من جامعة أوربينو (the University of Urbino)، وجود 20 زوجاً من الشباب البالغين (15 منهم من النساء)، جلسوا في غرفة ذات إضاءة خافتة على بعد متر واحد من بعضهم البعض، وبدأوا بالتحديق في عيون شركائهم لمدة 15 دقيقة.
كانت الإضاءة في الغرفة جيدة بما فيه الكفاية ليتمكن المتطوعين من تمييز ملامح وجه شريكهم بسهولة، لكن منخفضة لدرجة كافية لتقليل تصورهم العام للألوان.
طُلِبَ من مجموعة مراقبة مكونة من 20 شخص أخرين بالجلوس والتحديق لمدة 10 دقائق في غرفه أخرى مضاءة بشكل ضعيف وبشكل أزواج، لكن كراسيهم كانت تواجه جداراً فارغاً. تم إطلاع المتطوعين على القليل من غرض الدراسة، وقيل لهم أنه يتعلق فقط بـ”التأمل بعينين مفتوحتين”
بمجرد انتهاء الدقائق العشر ، طلب من المتطوعين إكمال الاستبيان المتعلق بما مروا به اثناء التجربة وبعدها.
ركز احد الاستبيانات على أي أعراض إنفصالية يمكن أن يكون المتطوعين قد عانوا منها، والآخر عما رأوه في وجه شريكهم (مجموعه حدق العين) أو في وجههم (مجموعه التحكم).
الإنفصال هو مصطلح يستخدم في علم النفس لوصف مجموعه كاملة من التجارب النفسية التي تجعل الشخص يشعر بأنه منفصل عن محيطه المباشر.
يمكن أن تحدث أعراض مثل فقدان الذاكرة، أو رؤية كل شي بألوان مشوشة، أو الشعور بأن العالم غير حقيقي بسبب سوء المعاملة، والصدمة، أو إستخدام العقاقير مثل الكيتامين، والكحول، وثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك (LSD)، وعلى مايبدو أيضاً، التحديق بالوجه.
كتب كريستيان جاريت (Christian Jarrett) لصحيفة أبحاث المجتمع النفسي في بريطانيا :”قال المشاركون في مجموعة التحديق بالعيون أنهم استمتعوا بتجربة مقنعة على عكس أي شي شعروا به من قبل.”
أما كابوتو، فقد قال لمجلة أبحاث الطب النفسي أن المجموعة التي تحدق بالعين تفوقت على المجموعة المتحكمة في جميع الاستبيانات، مما يشير إلى أن شيئاً ما حول التحديق بعين إنسان اخر لمدة 10 دقائق دون إنقطاع له تاثير عميق على الإدراك البصري والحالة العقلية.
يوضح جاريت :
“في إختبار الحالة الانفصالية، أعطوا أقوى المعدلات للعناصر المتعلقة بتقليل شدة اللون، والأصوات تبدو اكثر هدوءاً او اعلى من المتوقع، وأصبحت متباعدة، ويبدو ان الوقت يمتد. في إستبيان الوجه الغريب،
90% من مجموعة المحدقين أتفقوا على انهم رأوْا بعض سمات الوجه الممسوخة، وقال 75% أنهم رأوا وحشاً، و 50% قالوا أنهم رأوا جوانب من وجوههم في وجه شريكهم، و15% قالوا أنهم رأوا وجه أحد أقربائهم.”
أظهرت النتائج ما أكتشفه كابوتو سنة 2010 عندما أجرى تجربة على 50 متطوعاً حدقوا في أنفسهم في مرآة لمدة 10 دقائق. تشير الصحيفة، والتي عنوانها ‘وجه غريب في المرآة’، الى انه بعد أقل من دقيقة بدأ المتطوعون برؤية ما وصفه كابوتو بـ”وهم الوجه الغريب”.
كتب كل من سوزانا مارتينيز كوند (Susana Martinez-Conde) وستيفين ماكنيك (Stephen L. Macknik) لمجلة ساينتيفيك اميريكان (Scientific American) :”تضمنت أوصاف المشاركين تشوهات كبيره في وجوههم، رؤيه وجوه لوالدين حين أو ميتين، الوجه النموذجية مثل وجه أمرأة عجوز، أو طفل، او صور وجوه حيوانية مثل قطة ، وخنزير، و أسد، وحتى مخلوقات وحشية وخيالية،”
“عبّر المشاركين الخمسين عن مشاعرهم الغريبه عندما رأوا وجها بدا غير مألوفاً. شعر بعضهم بمشاعر قوية.”
وفقا لما قاله جاريت للمجلة، سجلت المجموعة المحدقة في العين في هذه التجربة فقط 2.45 نقطة وهي أعلى من المجموعة المتحكمة في الإستبيانات (التي أستخدمت مقياس من خمس نقاط حيث كان ‘الصفر’ يعني “على الإطلاق” بينما ‘5’ تعني “شديد”)، وقال جاريت أن التأثيرات كانت أقوى من تلك التي أختبرها المتطوعون المحدقون بالمرآة في تجربة سنة 2010.
إذاً ما الذي يحدث هنا ؟ يوضح كل من مارتينيز وماكنيك أنه من المحتمل أن يتعلق الأمر بشيئ يسمى بالتكيف العصبي، والذي يصف كيف يمكن لخلايانا العصبية أن تتباطئ أو حتى تتوقف استجابتها للتحفيز غير المتجدد.
يحدث ذلك عند التحديق في أي مشهد أو كائن لفترة طويلة من الزمن، حينها يبدأ التصور بالتلاشي حتى يتغير المشهد أو تطرف عينك، أو يمكن تصحيحه بحركات عين لا إرادية صغيرة تسمى (microsaccades).
ترجمة : Dhuha Muhanad
تدقيق : Jazmine A.Al-Kazzaz
تصميم ونشر : Furat Jamal
المصدر :هنا