بإمكان عملية صنع القرار أن تجعل بعض الناس يشعرون بالعجز، أما بالنسبة للبعض الآخر، فهي شيء يكاد لا يُذكر.
هناك دراسات جديدة تقترح وجود مستويات من التوتر يمكن أن نشعر بها حينما نختارُ شيئاً ما، وهذه المستويات مرتبطة بأي نوع من متخذي القرار نحن.
ربما كما تتوقع، بأن هؤلاء الذين يميلون نحو طريقة سريعة وأكثر فاعلية في الاختيار من بين عدة خيارات، من المرجح أنهم لا يعانون من التوتر عند الاختيار كهؤلاء الذين يفضلون دراسة وقياس كل الاختيارات بعناية قبل اتخاذ القرار.
تتمركز هذه الدراسة حول فكرة نظرية الأسلوب المُنظم، (regulatory mode theory)، وهذان النوعان من متخذي القرار يُعرفون -حسب هذه النظرية- كما يأتي:
النوع الأول هم الذين يتبنون أسلوب (assessment) (التخمين والتقدير) في طريقة اتخاذهم للقرار، حيث إن كل قرار يدرس بعناية. أما النوع الثاني فهم الذين يتبنون أسلوب (locomotive) (الانتقال) كطريقة في اتخاذ القرارات، حيث تعتمد على التغيير والانتقال والتجربة حتى الوصول إلى الهدف النهائي وهذا هو المهم عند هذا النوع.
دراستنا تبرهن وبشكل منسجم بأن الأشخاص ذوي (التقدير والتخمين) تكون عملية اتخاذهم للقرار أقرب إلى أن تكون محنة، بسبب مبادئهم القوية في عمل الشيء الصائب وبحثهم عن “الحقيقة”، يشرح فريق الدراسة، الذي يضم باحثين من جامعة نانيانج التقنية (Nanyang Technological University) في سنغافورة وجامعة كولومبيا (Columbia University ).
“وعلى النقيض من ذلك، لقد وجدنا أن الأفراد ذوي أسلوب (الانتقال) تكون تجربتهم في هذا الصدد أقل شعوراً بالمحنة والتوتر، وهم يشعرون بأنهم متحمسين للاختيار بشكل سريع ومتابعة ما ستفضي إليه النتائج”
في هذه الدراسة، استخدم الباحثون في بداية الأمر استبياناً لتحديد ما إذا كان الشخص المشارك في هذه الدراسة من ذوي (التقدير والتخمين) أو (الانتقال).
وخلال خمسة اختبارات أُجريت على المتطوعين المختلفين في التوجه، طُلب من المشاركين أن يتخذوا قرارات حول عدد من الحالات والمواقف، من ضمنها اختيار الهدايا، التخطيط لحفل الزفاف، التصويت في الانتخابات وترتيب الأولويات في قائمة المهام الشخصية (to-do list).
في جميع الظروف، أظهرت النتائج بأن الأفراد ذوي أسلوب (التقدير والتخمين) يشعرون أثناء اتخاذ القرارات بأنهم تحت ضغط كبير جداً. وفي بعض الحالات -في اختبار التصويت الانتخابي تحديداً- فإن الأفراد الذين يميلون إلى (تقدير وتخمين) أقل، انتهوا وهم يشعرون برضا واقتناع أقل بقرارهم النهائي. ومن هذا، يبدو أن الجزء الخاص بالتوتر عند الاختيار يتضمن بالضرورة الشعور الكبير بالضغط لعمل الشيء الصائب.
إذن، هل هذا يعني أن عملية الاختيار المعتمدة على أسلوب النوع الأول دائماً هي الأفضل والخالية من أي توتر وضغوطات؟
ليس بالضرورة؛ الباحثون اقترحوا بأن الأفراد أصحاب أسلوب (الانتقال) ربما يكونون أفضل لاتخاذ القرارات فيما يخص المهام الصغيرة واليومية، بينما ذوو أسلوب (التخمين والتقدير) فهم يمكن أن نطلبهم في خيارات الحياة الرئيسية والمهمة.
ومن المثير للاهتمام، في أحد الاختبارات، طُلب من المشاركين قراءة نص الاختبار مسبقاً، ومن خلال هذا، يحاول الباحثون توجيه المشاركين لأن يكونوا إما من النوع الأول أو الثاني، وقد أظهر هذا الأمر بعض التأثير: في بعض الحالات، ساعد هذا الأمر في تقليل التوتر المصاحب لعملية صنع القرار.
طريقتنا في اتخاذ القرار هي عملية معقدة بشكل لا يُصدق، وما زال علماء النفس يحاولون معرفتها وفهمها. وهناك الكثير من الزوايا التي يجب أن ننظر من خلالها لمعرفة الطريقة والآلية التي تتم عبرها هذه العملية، بالإضافة إلى نظرية الأسلوب المنظم المستخدمة هنا من قبل فريق البحث، هناك الكثير من القرارات التي تعتمد على عاداتنا نحن، مثل طرق التفكير بنوعيها (التفكير الطويل الأمد والتفكير القصير الأمد) فهي تعتبرُ عاملاً مهماً في التأثير على قراراتنا التي نصل إليها في النهاية.
إلى هنا، اقترح الباحثون بأن ما وجدوه ربما يملك آثاراً مهمة في الصحة العقلية وتحديداً في مرض الوسواس القهري (obsessive-compulsive disorder) إذا فهمنا ما هي محفزات هذا التوتر، فإننا نأمل أن نتعامل مع هذه الحالات بشكل أفضل.
وبسبب الكمية الكبيرة للاختيارات التي نواجهها -ابتداء من الأمور اليومية الصغيرة وحتى الخيارات التي تغير حياتنا- يجب أن نتعلم كيفية التحايل على هذا التوتر الناتج من عمليات التقدير والتخمين الزائدة عن الحد فيما يخص اختياراتنا ومن الاهتمام بشكل مفرط بإمكانية الوقوع في الخطأ، ربما يكون التحايل أداة فعالة ومهمة لجعل أيام حياتنا تسير نحو الأفضل.
ترجمة: برير عبد الوهاب
تدقيق: Mosaab Al Hassino
تصميم: Tabarek A. Abdulabbas
نشر: Abilta E Zeus
المصدر: هنا