تعد السايكوباتية أحد إضطرابات الشخصية المعادية للمجتمع ASDP. يصف مصطلح “إضطراب الشخصية المعادية للمجتمع ” سلوك ذو نمط معين يقوم به الفرد بـإنتهاك حقوق الآخرين و الإعتداء عليها. تُدرج أعراض أضطرابات الشخصية المعادية للمجتمع في حدتها ولكن أكثرها خطراً و إيذاءً هي تلك التي تعود لشخصيتي السايكوباتي(المعتل نفسياً) و السوسيوباتي(المعتل أجتماعياً). و على أية حال لقد عرفت الـ DSM-5 الشخصية المعادية للمجتمع كـ شخص يمتلك 3 صفات أو أكثر من الصفات التالية :
•يقوم بكسر القانون و الأستهانة بهِ عموماً
•يكذب و يخدع الأخرين بـأستمرار
•مندفع و لا يخطط مسبقاً
•يميل إلى القتال و العدوانية
•يمتلك القليل من الإهتمام لسلامة الأخرين
•عديم المسؤولية ، لا يستطيع تأدية واجبات مالية
•لا يشعر بالندم و تأنيب الضمير
في كلا الحالتين ، بعض العلامات و الأعراض قد تظهر قبل سن الـ 15 .
هل السايكوباتية مرتبطة بتكوين الدماغ ؟!
تشير الأبحاث علما يبدوا إلى أن السايكوباتية مرتبطة بتركيب غير طبيعي للدماغ .
لقد لوحظ أن معظم جرائم العنف تُرتكب من قبل مجموعة صغيرة من الذكور المشخصين بـ ASPD (أضطراب الشخصية المعادية للمجتمع)، و لكن ثلث هؤلاء فقط هم بالفعل سايكوباتيين (ASPD+P) .
في بحث أستخدم جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي لفحص دماغ 44 شخص من مرتكبي الجرائم و المشخصين بـ ASPD . من ضمنهم 17 شخص سايكوباتي، إضافةً إلى 22 شخص سليم.
الدراسة وجدت أن أدمغة السايكوباتيين ASPD+P أظهرت أنخفاضاً كبيراً في حجم المادة الرمادية في منطقة القشرة الأمامية في الجبهة الأمامية و القطب الصدغي مقارنةً بأدمغة الأشخاص المصابين بـ ASPD و الأشخاص السليمين .
هذهِ المناطق مهمة في فهم مشاعر الأخرين و تتنشط عند التفكير بالأفعال الأخلاقية .
التضرر في هذهِ المنطقة يرتبط بضعف القدرة على التعاطف مع الأخرين ، ضعف الإستجابة للخوف و الألم و قلة في العواطف الواعية كـ الخجل و الذنب .
كيف يرى السايكوباتي العالم؟!
لدى السايكوباتيين صعوبة في فهم العواطف و هذا يفسر سبب أنانيتهم الشديدة، عدم مبالاتهم لسعادة و خير الأخرين و أيضاً سبب إرتكابهم جرائم العنف أكثر بثلاثة مرات من الأشخاص الأعتياديين . ولكن يبدوا أن هناك المزيد بخصوص هذا الأمر .
من الطفولة ، أدمغة الأخرين تتسرب إلى أدمغتنا . يبدوا أن هذا ما يحصل مع السايكوباتيين لكن بصورة أقل قوة .
قامت أرييل باسكين-سوميرس Arielle Baskin-sommers من جامعة ييل بدراسة مجموعة سجناء ذوي ميول سايكوباتية .
حيث أضهرت نتائج دراستها أن هؤلاء الأشخاص يفهمون وجهات نظر الأخرين بتأنٍ ، كـ معدل ، هم لا يفعلون هذا بصورة تلقائية كما يفعل الأخرين . تقول باسكين-سوميرس “هذه المرة الأولى التي ندرك فيها أن السايكوباتيين لا يمتلكون هذه القدرة التلقائية التي نمتلكها”.
بعد تحديد 106 متطوع ، قامت بـإعطائهم مهمة تعتمد على أستخدام الحاسوب . حيث شاهدوا صور رمزية لأشخاص (أڤاتار) يقفون في غرفة يتجهون إما لليسار أو اليمين . و كان هناك إما نقطتين حمراويتين على الحائط أمام الأڤاتار أو نقطة أمامهم و نقطة تحتهم . واجبهم هو إيجاد عدد النقاط التي يستطيعون رؤيتها و عدد النقاط التي يستطيع الأڤاتار رؤيتها.
في الحالة الطبيعية ، يستطيع الأشخاص و على نحو دقيق تحديد عدد النقاط التي سيراها الأڤاتار ، و لكنهم يكونون أكثر بطئاً إذا كان هناك نقاط تحت الأڤاتار . ذلك بسبب أن ما يرونه (النقطتان) يتداخل مع قدرتهم على الرؤية من خلال عيون الأڤاتار (نقطة واحدة) . يسمى هذا بالتداخل المتمركز حول الذات . لكنهم كانوا أيضاً أكثر بطئاً لأن يقولوا كم نقطة يستطيعون أن يروها إذا كان العدد يختلف عن الأڤاتار . و هذا يظهر كم من السهولة أن يأخذ البشر بوجهات نظر الأخرين ، فقد تأثر المتطوعين بوجهة نظر الأڤاتار حتى إذا أعاق هذا أدائهم . و يسمى هذا بالتداخل المتمركز حول الأخرين .
وجدت باسكين-سومرس أن السجناء السايكوباتيين أظهروا المستوى الإعتيادي من التداخل المتمركز على الذات ، و لكن أظهروا مستوى أقل بكثير من التداخل المتمركز على الأخرين -حيث أن وجهة نظر الأڤاتار لم تختلط مع وجهة نظرهم كما يحصل مع معظم الأشخاص.
ما الفرق بين السايكوباتي و السوسيوباتي؟!
تعتبر السوسيوباتية و السايكوباتية مصطلحات نفسية مشهورة لما يدعوهُ الأطباء النفسيون إضطراب الشخصية المعادية للمجتمع . لم يُعَرَف هذان المصطلحان بصورة جيدة في لغة الأبحاث النفسية ، و من هنا حصل التشويش بينهما.
يعتقد الباحثون أن السايكوباتي يولد بخلل جيني مما يؤدي إلى أن يصبح سايكوباتياً بينما يصبح السوسيوباتي سوسيوباتياً بسبب الظروف البيئية المحيطة به (ولكن هذا لا يعني أننا نقول بأن السايكوباتي لم يعاني أيضاً نوع من الصدمة في الطفولة).
السايكوباتية ترتبط بـأختلافات فيسيولوجية في الدماغ كما ذكرنا أعلاه. من الصعب على السايكوباتي أن يكوِّن علاقات عاطفية مع الأخرين، بل يميل بدلاً من ذلك إلى تكوين علاقات يقوم بالتلاعب بالأخرين عن طريقها لغرض مصلحتهِ . بينما يكون السوسيوباتي غير قادر أيضاً على تكوين إرتباط عاطفي مع الأخرين ، بعض السوسيوباتين قد يتمكنون من تكوين إرتباط عاطفي مع أشخاص مثلهم . يميل السوسيوباتي لأن يصبح متهور و غير منتظم أكثر من نظيرهُ السايكوباتي. يتم رؤية السايكوباتي من قبل الأخرين كـ شخص جذاب يستحق الثقة ، يمتلك وظيفة طبيعية و ثابتة . كما يميل السايكوباتيون إلى ان يكونوا متعلمين بصورة جيدة. على عكس السوسيوباتيين الذين لا يستطيعون البقاء في وظائف ثابتة. عندما يقوم السوسيوباتي بفعل تصرف إجرامي ، يفعلونهُ بتهور و بطريقة غير مخطط لها ، مع القليل من الندم لمخاطر أو نتائج أفعالهم . من السهولة أن يصبحوا غاضبين و هائجين ، و الذي ينتج عنه عنف هائج . هذهِ الصفات تُسهل من فرص القبض عليهم.
السايكوباتية و الظروف البيئية المحيطة بها
في علم النفس السلوكي ، يُعتَقَد بـأن العنف مع الأطفال يُمكن أن يُعتَبر أحد أسباب السايكوباتية.
البيئة تعتبر عامل مهم و حاسم في التطور لأنها عامل إنتقائي يسمح للجينات بالمرور إلى الجيل اللاحق .
عند النظر إلى العنف أو الصدمات في الطفولة بأنها تقف وراء السايكوباتية ، لن تكون البيئة عندها كـ عامل إنتقائي و لكن كـ عامل مسبب . من الواضح أن ليس جميع الأطفال الذين تعرضوا لصدمة في طفولتهم أو العنف أصبحوا سايكوباتيين . إذاً من الممكن أن يعود هذا إلى التركيب الجيني لهم .
ولكن من المحتمل أن السايكوباتيين يرثون أيضاً بيئة أبائهم . فـ الأباء السايكوباتيون الذين تعرضوا إلى صدمات و عنف في طفولتهم ، سيعنفون أطفالهم لأن العنف يولد العنف . هؤلاء الأطفال لن يرثوا جينات أبائهم فحسب بل بيئاتهم أيضاً . إذاً البيئة و القابلية الجينية تزيد من أرجحية أن يصبح الأطفال سايكوباتيين .
يقدر عدد الأشخاص المصابين بـإضطرابات الشخصية المعادية للمجتمع حالياً بـ حوالي 1% ( بضمنهم السايكوباتيون) . هذا العدد كان أعلى بكثير قبل 300 سنة . فـإذا كانت ثقافة العنف هي مفتاح جيني للسايكاوباتية ، عندها فإن رفض العنف قد يساعد في تقليل السايكوباتية بيننا .
إعداد: مريم اسماعيل
تدقيق: سحر فوزي
تصميم: Tabarek A. Abdulabbas
المصادر : هنا وهنا وهنا وهنا وهنا