دراسة جديدة على مجموعة من قردة المكاك الريسوسية تبين كيف يمكن لدماغنا معالجة الإشارات المُعقدة.
هدوء يعم أرجاء قاعة الحفلات الموسيقية، حتى يُحرك المايسترو يديه ليبدأ الموسيقيون العزف، عزف أول أربعة أقسام من موسيقى موزارت (ليلة موسيقية قصيرة – A Little Night Music)، جميعهم يعزفون لحناً واحداً، والذي ربما يُعدُ واحداً من أشهر الألحان في عالم الموسيقى، بعد ذلك تنفصل الآلات الموسيقية لتعزف ألحاناً مختلفة ، وبالتالي تصبح معزوفة ” ليلة موسيقية قصيرة ” عملاً فنياً معقداً.
اكتشف علماء من مركز أبحاث الرئيسيات في ألمانيا (DPZ) و معهد الأبحاث في العلوم الأساسية في طهران ، إيران ، مؤخراً في دراسة أجريت على قردة المكاك الريسوسية أن الخلايا العصبية تلعب دوراً مشابهاً لدور الموسيقيين في الإدراك البصري في أدمغتنا.
عادةً ما تنشط العديد من الخلايا مع بعضها (بشكل متزامن) عندما تعالج محفزات بسيطة من بيئتنا.
تمكن الباحثون من إثبات أن الإنتباه البصري يعمل على إلغاء هذا التزامن بين الخلايا العصبية مما يُتيح معالجة أكثر تعقيداً للمعلومات. قد توفر مثل هذه الأفكار المتعمقة للآليات العصبية للانتباه في الحالة الصحية أدلة على كيفية حدوث بعض الأمراض العصبية مثل اضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه (ADHD) أو مرض التوحد .
قام علماء الأعصاب “معين أصغاي” و “محمد رضا داليري” و “ستيفان تريو” بقياس نشاط الخلايا العصبية الفردية في قشرة الدماغ المسؤولة عن الرؤية visual cortex لقرود المكاك الريسوسية، باستخدام أقطاب كهربائية دقيقة للغاية ، تسمح هذه التقنية (غير المؤلمة) بدراسة نشاط عدد كبير من الخلايا العصبية ، بينما تؤدي الحيوانات بنشاط مهمة الإدراك.
يمكن قياس نشاط مجموعات الخلايا العصبية هذه كإشارات متذبذبة مستمرة على طيف واسع التردد في الفراغات خارج الخلية، يتم توليد هذه الذبذبات بواسطة خلايا فردية عن طريق الترابط بين (جهد الفعل – action potential ) و (جهد الحقل – Field potential).
باستخدام تقنيات معالجة الإشارات الجديدة ، اكتشف العلماء أن الحالة الآنية للنشاط المتقلب للخلايا العصبية مجتمعة تلعب دوراً حاسماً في تحديد مدى استقلالية كل خلية عصبية عن جيرانها، حيث وجدوا أن الانتباه يجعل النشاط العصبي أكثر استقلالية.
يوضح “ستيفان تريو” ، أستاذ علم الأعصاب الإدراكي في جامعة غوتينغن في ألمانيا : “يساهم الإنتباه في فصل الخلايا العصبية عن بعضها البعض ، مما يسمح للخلايا العصبية الفردية بالعمل بصورة أكثر استقلالية ، وبالتالي زيادة قدرة التحفير العصبي ، تماماً كعزف ألحان موسيقية مختلفة من شأنه أن يُطور قدرة الفرقة الموسيقية ويجعلها قادرة على عزف مقطوعات موسيقية أكثر تعقيداً “.
تتيح المعرفة التفصيلية لكيفية تمكين أدمغة قرود المكاك الريسوسية الإنتباه والوظائف المعرفية المعقدة الأخرى إلى استخلاص إستنتاجات جديدة حول العمليات في الدماغ البشري. يلعب النشاط المتزامن للخلايا العصبية دوراً مهماً في الإدراك عند البشر و الرئيسيات الأخرى.
فهم كيفية التحكم الدقيق في هذه المزامنة ، لا يساعد فقط على فهم أفضل للارتباطات العصبية الكامنة في الإدراك الواعي ، ولكن أيضًا قد يُمكننا من الحصول على فهم أفضل للمشاكل الفسيولوجية ومن ضمنها الإضطرابات التي تشمل التحكم في الانتباه والإدراك ، مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه والتوحد وانفصام الشخصية.
وقال “معين إصغاي” ، المؤلف الأول للدراسة : “تكشف النتائج التي حصلنا عليها فهماً جديداً لكيفية التحكم في معالجة المعلومات في الدوائر العصبية المحلية لأدمغة الرئيسيات، في الدراسات المستقبلية سنبحث في الطريقة التي تتولد فيها التقلبات العصبية للسيطرة على الخلايا العصبية الفردية.”
ترجمة: Fatima Mohammed
تدقيق: Murtadha Raad
تصميم ونشر: Tabarek A. Abdulabbas
المصدر: هنا