إفترض أنك تركت سيارتك مركونه لمدة إسبوع، وعدت لترى أن عدّاد المسافات يشير إلى عدد أكثر من الأميال مما كان عليه عندما تركتها، فستكون في حيرة، أليس كذلك..؟حسناً.. هذا يشبه إلى حد كبير ما هم عليه علماء الكون والمصابون بالحيرة الآن. إنهم يعرفون ما سيبدو عليه الكون بعد الإنفجار العظيم، وهم يعرفون قوانين الفيزياء التي إتبعها هذا الكون للوصول إلى الحالة التي هي عليه الآن. حسناً، ولكن
الوضع في الوقت الحالي ليس صحيحاً تماماً. هناك شيء مفقود، ويعتقد بعض العلماء أن المادة المظلمة. – والتي كانت موجودة في البداية – ربما إختفت وهذا يعني أيضاً أن المادة المظلمة التي مازالت لدينا قد تتلاشى أيضًا.
يمكن للعلماء إكتشاف فقط 5 في المئة من المادة في الكون. هذه ال 5 في المئة هي كل ما نعرفه: الكواكب، النجوم، المجرات، عصي السيلفي..الباقي هو “ظلام (أشياء مبهمة)” – أشياء لا يمكن ملاحظتها مباشرة، لأنها لا تتفاعل مع الضوء ولكن وجودها يعطي تلميحات. 68 في المائة من الكون طاقة مظلمة، وهي قوة غير مرئية من المحتمل أنها تقود تمدد الكون. والنسبة الأخيرة البالغة 27 في المائة هي المادة المظلمة، الموجودة في المجرات وحولها، وتمارس قوة جذب قوية. ما زال العلماء غير قادرين على إثبات وجود أي من هذه العناصر “المظلمة” ، لكن لديهم بعض الأفكار حول ما يمكن أن يكونوا وكيفية إكتشافهم.
نحن نعرف ما كان عليه الكون بعد الإنفجار الكبير لأننا نستطيع رؤية أصداء منه في الإشعاع الحراري المتبقي، أو ما يعرف باسم الخلفية الميكروية الكونية (CMB). الCMB ليست موحدة. بعض البقع هي أكثر حرارة أو برودة من غيرها، ويستخدم العلماء هذه التقلبات في درجة الحرارة لحساب كثافة المادة المظلمة في اللحظات الأولى من تشكل كوننا. وهذا بدوره يخبرنا بأشياء أخرى حول ما كانت عليه الأمور في ذلك الوقت، مثل مدى سرعة تمدد الكون وحتى سرعة إنتقال الضوء في ذلك الوقت.
إليك الشيء التالي: تمامًا كما لو تركت سيارتك مركونة، وتوقعت أن ترى نفس الرقم على عداد المسافات عندما تعود، يتوقع العلماء أن يكونوا قادرين على أخذ تلك القياسات للكون المبكر ومعرفة كيف تبدو الأمور في الوقت الحالي. ولكن الغريب، أن الأمور تبدو مختلفة كثيراً عما ينبغي. معدل التمدد في الكون متوقف بنسبة 10 في المئة.
يقول تورستن برينجمان (Torsten Bringmann) من جامعة أوسلو في النرويج لمجلة New Scientist “ليس هذا تناقضا قوياً بما يكفي لتسميته أزمة لكن قد يحدث شيء ما.” “إنها لن تختفي. إنها عالقة معنا خلال الأجيال أو الجيل الثالث من التجارب.”
إذا لم يكن هذا خطأ مستمراً في الأرقام وكان الكون المبكر حقاً بعيداً عن ما نراه اليوم، فإن الأمر متروك للعلماء لمعرفة السبب. أحد التفسيرات الرئيسية والتي تسمى فرضية المادة المظلمة المتحللّة (DDM)، تفترض أنه إذا كان الكون الحالي لا يملك الكثير من المادة المظلمة مثلما حدث في ذلك الوقت، فإن ذلك قد يفسر الإختلافات بين ذلك الحين والآن.
في عام 2016، إختبر العلماء الروس هذه الفرضية من خلال إنشاء نموذج يظهر كيف سيكون شكل الكون إذا بدأت المادة المظلمة بالإختفاء. أظهرت حساباتهم أن الكون اليوم يحتوي على مادة مظلمة أقل بنسبة 5٪ مما كانت عليه في مهدها. في عام 2018 ، إبتكر برينجمان وفريقه نماذج مماثلة مع نتائج مماثلة، وخلصوا إلى أن “نسبة قليلة من” المادة المظلمة للكون قد تحللّت إلى “إشعاع داكن” غير قابل للاكتشاف.
هذه تفاصيل مهمة في البحث عن المادة المظلمة. حتى الآن، هناك عدد قليل من الجسيمات النظرية التي توصل إليها العلماء والتي تمثل مرشّح رائد للمادة المظلمة، وبالطبع، لكل من تلك الجسيمات خصائص خاصة. إذا كانت المادة المظلمة لديها القدرة على التحلّل – أو إذا كانت تتحلّل كما تحدثنا – فإن ذلك يغيّر من الخصائص التي يحتاج العلماء إلى البحث عنها. يقول برينجمان: “هذه النتائج تعني وعلى الفور أن طبقة كاملة من سيناريوهات المادة المظلمة ستستبعد”. وهذا يضيّق نطاق ما نبحث عنه، ويقرّبنا أكثر إلى معرفة ما هي المادة المظلمة في الحقيقة.
ترجمة: Ali Ibrahem
تدقيق: Lamiaa Abdulsaddah
تصميم:Muthanna Hussein
نشر:Mariam Ismail
المصدر: هنا