التلاشي التدريجي للجليد في قطبي الأرض، يعد أهم دليلٍ على التغير المناخي الحاصل بفعل الإنسان، فالجليد في القطب الشمالي يتلاشى، في حين أن الذوبان الحاصل للصفائح الجليدية في جزيرة “غرين لاند” والقارة القطبية الجنوبية يؤديان الى إرتفاع مستوى سطح البحر.
وعلى مدار عقد من الزمان، تفتقر ناسا الى قمر صناعي متخصص لقياس ودراسة مستوى الجليد عند قطبي الكرة الأرضية، وكيفية ذوبانه بإتجاه المحيطات.
كل هذا تغير اليوم عندما أطلقت ناسا قمرها (ICESat-2) والبالغة كلفة إنشاءه مليار دولار، وتم إطلاقه من قاعدة “فاندينبرغ” الجوية (Vandenberg Air Force Base) في كاليفورنيا، وسيقوم بتسليط حزم ليزريةعلى سطح الأرض ليتمكن من قياس التغيرات الحاصلة عليه حيث سيكون دقيقاً جداً (يقيس التغيرات في إرتفاع السطح على مستوى قطر قلم الرصاص)، وتأتي هذه المهمة بعد سابقتها (ICESat-1) والتي إنتهت في العام 2010، ويقول “تيد سكامبوس” العالم المتخصص بدراسة الجليد في المركز القومي لبيانات الثلج والجليد في “بولدر”- ولاية “كولرادو” الأمريكية: “بأن هذا القمر سيضم جهاز ليزر متعدد الحزم والذي سيمكننا من الحصول على خارطة أفضل من التي حصلنا عليها خلال مهمة ICESat-1”.
وفي حين أن المهمة السابقة (ICESat-1) كانت تحمل ليزراً بحزمةٍ واحدة، فإن المهمة الجديدة (ICESat-2) تحمل ثلاثة أزواجاً من الحزم المتوازية مما يمكنها من مسح مسارات متعددة في وقتٍ واحد.
كما وستتمكن المهمة الجديدة من إعطاء قراءات الإرتفاع كل 70 سنتميترًا في حين أن المهمة السابقة (ICESat-1) أعطت قراءات بمعدل مرة واحدة كل 150 متراً.
لم تكتمل هذه المهمة بهذه السهولة التي نتصورها، حيث تشققت البلورات المستخدمة لتضخيم الليزر بصورة غير متوقعة، وأدى إصلاح الأمر الى تعطيل موعد الإطلاق الأصلي المقرر في العام 2016 بالإضافة الى أن ذلك قد كلفهم مئات الملايين من الدولارات.
وخلال فترة الإنتظار الطويلة، إستمر العلماء بمراقبة الجليد على قطبي الكرة الأرضية بواسطة مهمة (CryoSat-2) التي تديرها وكالة الفضاء الأوربية حيث إنها تستخدم الرادار لقياس الإرتفاع والتي كانت تعطي قراءات أقل دقة بسبب كبر حجم الحزمة الرادارية المستخدمة.
كما قامت “ناسا” بتنظيم حملة سنوية معتمدةً خلالها على طائرة تدعى (IceBridge) والتي قامت بأداء جيد في جزيرة “غرينلاند”، لكنها لم تستطع تغطية المساحة الكبيرة للقارة القطبية الجنوبية، حيث قالت “بييتا ساثو” عالمة الجليد في جامعة “بافالو” الأمريكية: “شكلت القارة القطبية الجنوبية فجوة كبيرة لنا، نحن حقاً لا نعرف ما الذي حدث”.
ستكون المهمة الأولى لـ (ICESat-2) هي تحديد المساحات الجليدية في القارة القطبية الجنوبية، ومن المفترض أن البرودة الشديدة والارتفاع الشاهق يحميانها من فقدان الجليد، ولكن يريد العلماء فهم كيف يمكن أن يساهم تساقط الثلج وذوبان الجليد في التغيرات البسيطة في الإرتفاع، كما سيتمكن القمر الصناعي من دراسة شبه جزيرة “انتاركتيكا” المسؤولة عن خسارة ربع كمية الجليد في القارة القطبية الجنوبية بالرغم من صغر حجمها. حيث قال العالم المتخصص بدراسة الجليد “آندرو شيفرد”: “هذا بالتأكيد سيكون المكان الأول الذي أبحث فيه”.
كما سيقوم العلماء خلال هذه المهمة أيضاً بمراقبة الصفائح الجليدية، حيث تتكسر طبقات الجليد بإتجاه المحيط مما يؤدي بها الى الطفو على سطحه مشكلة طبقات، حيث تكون عرضةً للذوبان بفعل مياه المحيط الدافئة.
فإذا كانت الصفائح الجليدية على وشك الذوبان بإتجاه المحيط، سيرغب العلماء بإنشاء حملة مراقبة، حيث بينت “بييتا ساثو” كيفية إستخدام البيانات الواردة من القمر (ICESat-2) لإنشاء نظام إنذار مبكر يكشف عن الإنصهار المفاجئ في الوقت الذي يحصل فيه، بدلاً من سنة أو سنتين بعد ذلك.
وفي الوقت الذي لا يقيس فيه القمر صفائح الثلج، فإنه سيقوم بقياس إرتفاع الغابات كما وسيقوم بتزويد علماء المناخ بكمية الكربون المخزَّن بالأشجار، وسيقوم جنباً الى جنب مع قمر وكالة الفضاء الأوربية (CryoSat-2) بقياس كمية الثلج والجليد الموجود في البحار، ولأن شعاع الليزر يرتد عن الثلج في حين ينعكس الرادار من الجليد الواقع أسفله، فإن التعاون بين القمرين – (قمر ناسا وقمر وكالة الفضاء الأوربية ESA) – يمكن أن يساعد في التفريق بين الثلج والجليد، في القارة القطبية الجنوبية يمكن لكمية الإنجرافات أن تصل مترين، مؤدياً الى بعض الزيادة في قياسات سمك الجليد.
وأضاف “شيفرد” بأن ناسا جنباً الى جنب مع وكالة الفضاء الأوربية تناقشان إمكانية تحويل مدار القمر (CryoSat-2) لإنشاء المزيد من التداخلات حيث أن القمر الصناعي الأوربي (CryoSat-2) لديه ما يكفي من الوقود للقيام بهذه الخطوة.