ان حي ويليامزبورغ الكائن في بروكلين، وعلى الرغم من ما يخبرك به محبو الموضة، هو في الواقع ليس ابرد مكان في الكون. وبدلاً من ذلك، يمكن ان يذهب شرف هذه التسمية الى احد البقعتين، واللتان هما سديم في الفضاء، او مختبر في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT).
من الافضل لك، وفي كلتا الحالتين، ان ترتدي سترتك، لان هذين المكانين اكثر الاماكن برودة.
ينخفض سديم بوميرانج (The Boomerang Nebula)، وهو مزيج من الغبار والغازات المتأينة، الى درجة حرارة منخفضة بمعدل 458 فهرنهايت (سالب 272 درجة مئوية)، او مجرد درجة سيليزية فوق الصفر المطلق، والتي قام الفلكيون بقياسها باستخدام مصفوف مرصد اتاكاما المليمتري الكبير (ALMA) في تشيلي سنة 2013.
يحتوي هذا السديم الكوكبي الصغير، والذي يقع على مسافة 5,000 سنة ضوئية، على صانع ممرض، وهو نجم يحتضر في وسط مركزه. بمرور الوقت، ستصبح النجوم الموجودة على الطرف الاقل ضخامة لمقياس الكتلة الذرية، اي حوالي ثمانية اضعاف او اقل من كتلة الشمس، بما يُسمى بالعمالقة الحمر.
اليكم دورة حياة هذا النوع من النجوم :
عند احتراق النجم من خلال امداده للهيدروجين داخل مركزه، وصهره الى هيليوم، يزداد لمعانه نتيجة لذلك. وذلك لان النجم لا يستطيع توليد حرارة كافية لدعم وزنه، لذا يبدأ الهيدرجين المتبقي بالضغط على الطبقات الخارجية للمركز. يولد هذا الضغط طاقة اكبر، لكن النتيجة ستكون ان النجم يصبح اكثر صفاءاً نتيجة لتوسع الغازات في طبقاته الخارجية. لذا، على الرغم من ان النجم سيكون اكثر اشراقاً، فإن غازاته تبرد، وسيبدو النجم بلون احمر. العمالقة الحمر كبيرون جداً، لذا عندما تتحول الشمس الى واحد، فسيمتد سطحها الى مدار الارض الحالي.
يحرق العملاق الاحمر، في نهاية المطاف، الهيدروجين بالكامل. وسيبدأ عندئذ بصهر الهيليوم الى عناصر اثقل، لكن لتلك العملية حدود ايضاً، وذلك عندما تبدأ الطبقات المركزية للنجم بالانهيار. سيتحول النجم الى قزم ابيض في تلك المرحلة، والذي هو اساس النواة المتفحمة للنجم. ومع حدوث الانهيار، تُترك الطبقات الخارجية للنجم، وذلك بسبب ان العملاق الاحمر كبير لدرجة ضعف سيطرته على طبقاته الخارجية. ينير الضوء الابيض المنبعث من النجم الغاز، والنتيجة للارض ستكون سديم كوكبي رائع.
يتوسع الغاز بصورة سريعة، ويتحرك الى الخارج بسرعة تصل الى 363,600 ميل في الساعة (585,000 كم/ساعة). وهذا هو سبب كون السديم بارد جداً، حتى انه اكثر برودة من الاشعاع الخلفي الكوني الذي خلفه الانفجار العظيم (والذي يبلغ حوالي 454.7 درجة فهرنهايت، او 2.76 كلفن).
تبرد الغازات نتيجة لتوسعها. يحدث هذا لان التوسع يسبب انخفاض للضغط ، وانخفاض الضغط يبطئ جزيئات الغاز. (درجة الحرارة هي مقياس لمدى سرعة حركة الجزيئات، كلما زادت حركتها، ارتفعت درجة حرارة الغاز).
يمكنك ملاحظة نفس الظاهرة عند استخدامك لقنينة التنظيف بالهواء المضغوط عند تنظيف حاسوبك، حيث تبرد القنينة عند الرش، وذلك لان الضغط على الغاز يتناقص بسرعة. تؤخذ بعض الطاقة التي تجعل الغاز يتمدد من الطاقة الحرارية في البخاخ. خُسر الكثير من الطاقة بعيداً بطرفة عين، وذلك بسبب ان الغازات في سديم بوميرانغ القاها النجم المركزي بسرعة فائقة.
يعتقد الدكتور راغفيندرا ساهاي (Raghvendra Sahai) من مختبر الدفع النفاث لوكالة ناسا الفضائية الامريكية، في باسادينا في ولاية كاليفورنيا، ان سديم بوميرانغ اكثر برودة من السديمات الاخذة بالاتساع الاخرى بسبب انه يطلق كتلته اسرع بـ 100 مرة من تلك النجوم الهالكة، او اسرع بـ100 مليار مرة من الانبعاث الكتلي الشمسي.
سيسعد طلاب معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عند معرفتهم ان معهدهم هو، ولحد الان، الابرد. قام فريق من الفيزيائيين، سنة 2015، بتبريد الذرات الى ابرد درجة، وهي 500 نانوكلفن، او 0,0000005 كلفن (سالب 459.67 فهرنهايت او سالب 273.15 درجة سيليزية). ان هذا ابرد اكثر بكثير من سديم بوميرانغ، لكن الامر حدث فقط بسبب ان العلماء استخدموا الليزر لتبريد ذرات فردية من الصوديوم والبوتاسيوم.
لن تكون مدينة كامبردج المكان الابرد الى الابد. واصل العديد من فرق العلماء العمل على جعل الغازات اكثر برودة. يمتلك مختبر الدفع النفاث مختبر تبريد الذرات (the Cold Atom Laboratory)، والذي اطلق الى محطة الفضاء الدولية سنة 2018 وانتج بالفعل ابرد جسم معروف في الفضاء، وسينتج قريباً ابرد جسم معروف في الكون.