من المعروف ان ادمغتنا مرنة بشكل استثنائي ويمكنها التكيف مع المواقف الجديدة. سواء اذا كان الدماغ يعيد استخدام اجزاء منه لاغراض مدهشة، او مساعدة شخص يعيش بشكل طبيعي مع %10 فقط من اجزاء الدماغ غير التالفة، لدينا الكثير من الامور التي يجب شكر مرونة الدماغ عليها.
لكن علماء الاعصاب لم يكونوا متأكدين تحديداً من كيفية حدوث هذه المرونة في الدماغ. على وجه التحديد، هناك مشكلة واحدة كبيرة، وهي عندما تقوى بعض الارتباطات، يجب على الخلايا العصبية التعويض بطريقة ما، والا ستغمرها المدخلات.
لذا كيف يحدث هذا الامر؟ يعتقد الباحثون في معهد بيكاور للتعلم والذاكرة (the Picower Institute for Learning and Memory) الواقع في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) ان لديهم الاجابة.
ما وجدوه هو انه عندما يصبح هناك وصل (او ما يسمى ايضاً بالتشابك العصبي) اقوى، فإن التشابكات العصبية المجاورة ستضعف، وذلك لمنع الخلايا العصبية من ان تُغمر، ولفعل ذلك هناك بروتين خاص يؤدي دوره.
يقول عالم الاعصاب من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومؤلف الدراسة، الدكتور ميركانكا سور (Mirganka Sur) :”السلوكيات الجماعية للانظمة المعقدة دائماً لها قواعد بسيطة،”
“عندما يرتفع تشابك عصبي ما، فبحدود 50 ميكرومترًا هناك انخفاض في قوة تشابك عصبي اخر.”
طبق الفريق عينة الليونة الخاصة بهم في عصبونات القشرة البصرية في الدماغ لفئران بتغيير “الحقل المستقبل” للعصبون، او رقعة الرؤية الخاصة التي يكون العصبون مسؤول عنها.
وللقيام بذلك، قاموا بالتركيز على شوك واحد لزائدة شجرية، وهو طرف العصبون حيث يوجد الجزء المستقبل للاشارة لتشابك عصبي.
عندما حركوا الهدف المرئي الذي كان الفأر ينظر اليه، كانوا قادرين على ضبط الحقل المستقبل لذلك العصبون، والقوا بضوء ازرق داخل القشرة البصرية لدماغ الحيوان. تنشط ومضات الضوء هذه العصبون، خصوصاً في هذه الحيوانات المعدلة وراثياً، مما يساعد ذلك على تقوية الشوك الشجيري المحدد.
تتقلص الاشواك القريبة، نتيجة نمو هذا الشوك المقوى، مسبباً زيادة في قوة او ضعف في التشابكات العصبية القريبة، مما يوضح المرونة في العمل.
قال مؤلف الدراسة وعالم الاعصاب، الدكتور سامي البستاني (Sami El-Boustani) :”اعتقد انه من المدهش ان نكون قادرين على برمجة العصبونات في الدماغ السليم والشاهد في الانسجة الحية هو تنوع الاليات الجزيئية التي تسمح لهذه الخلايا بدمج وظائف جديدة من خلال المرونة.”
لم يكن ذلك كل شيء. فلقد اكتشف الفريق بعد ذلك ان مستقبلات (AMPA) كانت مرتبطة بضعف وتقوية هذه التشابكات العصبية.
استخدموا علامة كيميائية مصنعة خصيصاً لتتبع تعبير منظم مستقبلات (AMPA)، وهي بروتين يسمى “منظم النشاط المرتبط بهيكل الخلية” (ARC)، لتحديد مسبب هذه التغييرات.
ما وجدوه هو ان التشابكات العصبية الحاوية على كمية اقل من بروتين (ARC) كانت قادرة على تعبير مستقبلات (AMPA) اكثر، لكن زيادة بروتين (ARC) في الاشواك المجاورة تسبب بتعبير اقل في التشابكات العصبية.
يقول مختص اخر في علم الاعصاب ومؤلف رئيسي مشارك في الدراسة من المعهد، الدكتور شاك باك كان ايب (Jacque Pak Kan Ip) :”نعتقد ان بروتين (ARC) يحافظ على توازن موارد التشابك،”
“اذا ارتفع شيء ما، فالاخر سينخفض. هذا هو الدور الاساسي لبروتين (ARC).”
في حين انه مضت فترة طويلة منذ اول مرة نظر فيها الباحثون الى المرونة الدماغية، فإن هذه النتائج المعينة يمكن ان تساعد في حل مشكلة تزعج اطباء الاعصاب منذ عهود، والان لدينا عدد من الحيل التي تساعدنا في دراسة الادمغة الحية.