تحول مجموعة متنوعة من المركبات العضوية المعقدة، قبل حوالي 4 مليارات سنة، من كونها مجرد حساء كربوني بدائي الى كيمياء حيوية متجددة، يجعلها الخطوات الاولى للحياة على الارض.
كان ترتيب هذه الخطوات مصدراً للنقاش لعقود. يمكن ان يساعدنا الان الاكتشاف الحديث لبنية بروتينية مشتركة من احداث تغيير، وتقريبنا من فهم كيفية وصولنا الى هنا.
اثبت باحثون من المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا (Edigenössische Technische Hochschule – ETH) في مدينة زيورخ (Zürich) السويسرية انه يمكن للمعايير القصيرة لبنية بروتين الاميلويد ان توجه اختيار الاحماض الامينية لتكوين المزيد من الاميلويد.
اذا لم تبدو كلمة اميلويد مألوفة اليك، فهي عبارة عن بنية بروتينية توجد وبشكل متزايد في كل مكان في الطبيعة.
جزء من السبب وراء هذا الشيوع الكبير هو ان الاميلويد يحتوي على ثنيات خاصة بداخله تدعى بطيات بيتا المتعاكسة (cross-β fold)، وهذا ما يسمح له بالالتصاق مع بعضه في بنية طويلة ورفيعة تسمى باللُييفات.
قد تكون قد سمعت بشيئ كهذا فيما يتعلق بمرض الزهايمر، بأن هذا “الالتصاق” يمكن ان يُسبب احياناً كُتل من بيتا الاميلويد لتتجمع في الدماغ وتؤدي الى انحلال الانسجة العصبية.
دفع هذا الميل الى التكتل والتسبب بالامراض لفترة طويلة العلماء الى اعتبار الاميلويد شذوذاً بايولوجياً.
لكن يبدو الان ان مواهبه ربما ساهمت في بدء الحياة قبل مليارات السنين.
وجد فريق المعهد قبل سنتين فقط ان الببتيدات، والتي هي سلاسل من الاحماض الامينية واقصر من البروتينات النموذجية، اي تكون في هذه الحالة اطول ب5 الى 14 وحدة، يمكن ان تُشكل تلقائياً بُنيات الاميلويد بوجود كبريتيد الكربونيل (Carbonyl sulphide).
وقد ثبت بالفعل ان الالياف المكونة من الاميلويد تعمل كمحفزات تشبه الانزيمات، مما دفع العلماء الى التساؤل عما اذا كان تشكيلها المُحتمل على الارض القديمة قد ادى دوراً في مساعدة المركبات العضوية الاخرى بالتجمع في الايام التي تسبق الخلايا.
يأخذ الباحثون هنا فرضيتهم خطوة نحو الامام بواسطة البحث فيما اذا كانت سلاسل الاميلويد قد حفزت بناء الببتيدات الاخرى.
صمم الفريق سلاسل اميلويد لتعمل كماكفئ لخيوط الحمض النووي (DNA)، ومزجها مع كميات مُختارة من الاحماض الامينية الاخرى وعدد قليل من المواد الكيميائية المُساعدة.
وجد الباحثون، وبمقارنة سلاسل الببتيدات الناتجة عن المزج مع تلك التي تفتقر الى بنية الاميلويد “الاولية” المصممة، ان هناك ميزة كبيرة في وجود الاميلويد فيها.
يقول الكيميائي رولاند ريك (Roland Riek) :”يُمكن ان تنطبق هذه القدرة على مادة الاميلويد نفسها، مما يعني انه يمكن ان تُكرر الجزيئات نفسها”
عندما يتلخص هذا الامر، تكون الحياة خاصة بفضل قابليتها على صنع نسخ غير كاملة لنفسها. اصنع نسخ كافية، وسيقوم البعض بعمل افضل في النسخ في المرة القادمة.
اذا ارجعنا عقارب الساعة، فسنصل الى سؤال صعب، وهو هل كان ابسط شكل من اشكال الحياة يرتكز على مضاعفة خيوط الحمض النووي كما هو اليوم، ام مضاعفة اجزاء البروتين ؟
كلاهما يستفيدان من المحفزات، وهي المركبات التي تساعد في تسريع العملية باكملها.
يشير مؤيدو فرضية عالم الرنا او عالم الحمض النووي الريبي (RNA world) الى الخواص الفيزيائية للحمض النووي الريبي ليعمل عمل المحفزات الاصلية، وبناء سلاسل نوكليوتيد افضل باستخدام اجهزة الحمض النووي الريبي حتى تتمكن الاحماض الامينية من التجدد لاحقاً.
نعلم ان القواعد الشبيهة بالحمض النووي الريبي كانت موجودة قبل حوالي 4 مليارات سنة. لكن كان هناك تساؤلات حول توفر العوامل الرئيسية اللازمة لبناء الجزيئات، مما دفع الاخرين للتساؤل عما اذا كان ينبغي النظر في طرق اخرى.
تمهد اجزاء البروتين المتضاعفة الطريق لكيمياء النوكليوتيد، اذا تمكن شخص ما من اظهار كيف تتشكل وتساعد الاحماض الامينية في توليد ببتيدات جديدة، ويمكن ان يكون الاميلويد الجواب على ذلك.
يقول الباحث جيسون جرينوالد (Jason Greenwald) :”اضافة لذلك، يكون الاميلويد اكثر استقراراً من البوليمرات الحمضية النووية المبكرة، ولديه مسار تجميع غير حيوي ابسط مقارنة بتعقيد محفزات الحمض النووي الريبي المعروفة،”
ولكي نكون منصفين، فقد كانت هذه حالات مختبرية شديدة التحكم. انها قفزة للانتقال من تعديل البروتينات الى انشاء الحياة.
لكن المبدأ يُبرر، اي ان هناك سلاسل ببتيدية قصيرة على شكل اميلويد لديها ما يلزم لتسريع التوليد لسلاسل احماض امينية مشابهة.
كما هو الحال مع معظم الاشياء في علم الاحياء، فإن من غير المحتمل ان تكون اصول الكيمياء الحية بسيطة. يمكن ان تكون كل من العمليات الايضية، وتكوين الحمض النووي الريبي، وتضاعف الاميلويد تتنافس وتتلاحم وتمتزج لتشكل الحياة الاولى في الشيوع البايوكيميائي البدائي.
يقول ريك :”لن نتمكن ابداً من اثبات ماهو صحيح، وللقيام بذلك، علينا ان نعود الى ما قبل 4 الى 4.5 مليار سنة من التطور،”
“مع ذلك، فإننا نعتقد انها لم تكن عملية واحدة، بل عمليات جزيئية متعددة مع مختلف الجزيئات السابقة التي كانت تشارك في خلق الحياة.”
ترجمة: Zaineb Kadhim
تدقيق: Jazmin Al-Kazzaz
تصميم ونشر: Tabarek A. Abdulabbas
المصدر: هنا