اصبحت كل من طوكيو، وسنغافورة، ودبي نموذجاً لـ”مدن الروبوتات”، حيث بدأت الحكومات برؤية الاتمتة كعامل اساسي للحياة الحضرية.
قبل البدء في العمل على الروبوتات الواقعية، تمت الكتابة عن اسلافهم التاريخيين والخياليين. ولكن هذا ليس مستبعداً عما نقوم به الان. تستمر الروبوتات في المصانع، والمختبرات، وبالطبع في الخيال العلمي، باثارة عقولنا حول الانسان الاصطناعي والالات المستقلة.
لا تزال الروبوتات الواقعية مختلة وظيفياً بشكل مفاجئ، على الرغم من انها تتسلل بإنتظام الى المناطق الحضرية في جميع انحاء العالم. تقوم هذه الثورة الصناعية الرابعة التي يقودها الروبوتات بتشكيل المساحات والحياة الحضرية استجابة للفرص والتحديات في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والرعاية الصحية. اصبحت مدننا اكبر من ان يديرها البشر.
تقوم الادارة الحاكمة الجيدة للمدينة بتمكين والحفاظ على سلاسة عمل الاشياء، والبيانات، والناس. ويشمل هذا الخدمات العامة، وحركة المرور، وخدمات التوصيل. توحي الطوابير الطويلة في المستشفيات والبنوك الى الادارة الضعيفة. ويبين زحام حركة المرور ان الطرق وانظمة المرور غير كافية. لا تصل البضائع التي نطلبها عبر الانترنت بشكل متزايد بالسرعة الكافية. وغالباً ما تفشل خدمة الانترنت بتلبية احتياجاتنا المستمرة على مدار الساعة وطوال ايام الاسبوع. بإختصار، تحتاج الحياة الحضرية، والتي تتميز بالتلوث البيئي، والحياة السريعة، والزحامات المرورية، والاتصال، والاستهلاك المتزايد، الى حلول روبوتية، كما نعتقد.
بدأت الحكومة الوطنية، في السنوات الخمس الماضية، برؤية الاتمتة كحل لمستقبل حضري افضل. اصبحت العديد من المدن حقول تجارب للحكومات الوطنية والمحلية لاختبار الروبوتات في المساحات الاجتماعية، حيث يكون للروبوتات غرض عملي (تسهيل الحياة اليومية) ودور رمزي للغاية (اظهار الادارة الجيدة للمدينة). تُدار المدن الياً وبخطى ثابتة، سواء كان ذلك من خلال السيارات الالية، او الصيادلة الاليين، او الروبوتات الخدمية في المتاجر المحلية، او الطائرات الالية التي تنقل بضائع شركة امازون (Amazon).
تعمل العديد من المدن الكبرى (مثل سيؤول (Seoul)، وطوكيو (Tokyo)، وشنجن (Shenzhen)، وسنغافورة (Singapore)، ودبي (Dubai)، ولندن (London)، وسان فرانسيسكو (San Francisco)) كحقل تجارب للمركبات الالية في سباق تنافسي لتطوير سيارات ” ذاتيه القيادة” الموانئ المؤتمتة والمستودعات تتم اتمتتها و روبوتيتها بشكل متزايد. اختبارات روبوتات التوصيل والطائرات المسيرة تتجمع بسرعة تتجاوز بوابات المستودعات. تعمل انظمة التحكم الآلية على مراقبة تدفق البيانات وتنظيمه وتحسينه. تعمل المزارع العمودية الالية على ابتكار انتاج المواد الغذائيه في المناطق الحضريه “غير الزراعيه” في جميع انحاء العالم. الانظمة التكنولوجية الصحية المتنقلة الجديدة تحمل وعدًا بالرعاية الصحية “خارج المستشفى”. تظهر الروبوتات الاجتماعية في العديد من المظاهر – من ضباط الشرطة الى نادل المطعم – في الاماكن العامة والتجارية المتطورة.
كما تظهر هذه الامثلة، فان التشغيل الآلي للمناطق الحضرية يحدث في نوبات وبدايات، ويتجاهل بعض المناطق بينما في سباق للامام في مناطق اخرى. ولكن حتى الآن، لا يبدو ان احدًا ياخذ جميع هذه التطورات المترابطة والمتشابكة بنظر الاعتبار. اذًا كيف نتوقع مدننا المستقبليه؟ فقط عرض واضح يسمح لنا باجراء ذلك. لاعطاء فكرة، هذه ثلاث امثلة: طوكيو، ودبي وسنغافورة.
طوكيو
حاليًا تتحضر لاستضافة اولمبيات ٢٠٢٠، كذلك فان الحكومة اليابانية تخطط لاستغلال الحدث لعرض العديد من الروبوتات التكنولوجية الجديدة. لذلك فان طوكيو اصبحت مختبر حضري حي. المؤسسة المسؤولة هي مجلس ادراك ثورة الروبوت “the robot revolution realization council”
الغرض الرئيسي للروبوتات في اليابان هو اعادة تنشيط الاقتصاد، والعلامات التجارية الثقافية والمسيرة الدولية. وتماشيًا مع هذا، ستستخدم الاولمبيات للتعريف والتأثير في مسارات التكنولوجيا العالمية. وفي وجهة نظر الحكومة للألعاب الاولمبية، فإن سيارات الاجرة الالية التي تقوم بنقل السياح عبر المدينة، والكراسي المتحركة الذكية تحيي الرياضيين الاولمبيين المعاقين في المطار، بينما تقوم روبوتات الخدمة في كل مكان بتحية العملاء بلغات تزيد عن ٢٠ لغة وتزيد من تفاعل الاجانب مع السكان المحليين باللغة اليابانية بشكلٍ تفاعلي.
تبين طوكيو لنا كيف تبدو عملية انشاء مدينة روبوتية خاضعة لسيطرة الدولة.
سنغافورة
سنغافورة من جهة اخرى، هي “مدينة ذكية”. حكومتها تقوم بتجارب مع روبوتات بمختلف الوظائف: كتوسيع مادي للانظمة القائمة لتحسين الادارة والتحكم في المدينة.
في سنغافورة، ترى المؤسسة الوطنية للتكنولوجيا المستقبلية، بان الروبوتات و الانظمة المؤتمتة امتداد “طبيعي” للانظمة البيئية الحضرية الموجودة. تتضح هذه الرؤية من خلال روبوتات التسليم الذاتي (الطائرات المسيرة التجريبية لبريد سنغافورة بالشراكة مع مروحيات AirBus) وحافلات النقل بدون سائق من Easymile و EZ10.
وفي هذه الاثناء، فان الفنادق في سنغافورة تقوم بتعيين روبوتات خدمة مدعومة من قبل الدولة لتنظيف الغرف وتوصيل الملابس والمؤن، وقد تم تجريب الروبوتات لتعليم الاطفال لمعرفة كيفية استخدام الروبوتات في مراحل ما قبل المدرسة في المستقبل. الرعاية الصحية والاجتماعية هي واحدة من اهم واسرع الصناعات نموًا للروبوتات والاتمتة في سنغافورة والعالم.
دبي
دبي هي نموذج ناشئ آخر لمدينة ذكية تسيطر عليها الدولة. ولكن بدلاً من النظر الى الروبوت ببساطة كطريقة لتحسين تشغيل الانظمة، فان دبي تعمل بشكل مكثف على روبوت الخدمات العامة بهدف خلق “اسعد مدينة على الارض” ويكشف الروبوت التجريبي المتطور في دبي ان انظمة الدولة تجد طرقًا مبتكرة لاستخدام الروبوتات في الخدمات العامة، والنقل، والشرطة والمراقبة.
تتنافس الحكومات الوطنية لوضع نفسها في المشهد السياسي والاقتصادي العالمي من خلال الروبوتات. كما تسعى جاهدة الى وضع نفسها كقادة اقليميين. وكانت هذه الفكرة وراء رحلة اختبار المدينة في سبتمبر ٢٠١٧ لسيارة أُجرة مطورة من قبل شركة الطائرات المسيرة Volocopter الالمانية، والتي نظمت “قياده العالم العربي في الابتكار”، هدف دبي هو اتمتة ٢٥٪ من انظمة النقل بحلول عام ٢٠٣٠.
كما أنها تجرب حاليًا روبوت ضابط شرطة مشابه للانسان لشركة PAL Robotics والتي يكون مقرها في برشلونة وكذلك مركب OUTSAW في سنغافورة. اذا كانت التجارب ناجحة فقد اعلنت الحكومة انها ستقوم بتحويل ٢٥٪ من الشرطة الى روبوتات بحلول عام ٢٠٣٠.
بينما الروبوتات الخيالية تغذي خيالنا اكثر من اي وقت مضى – من Ghost in the shell الى Blade Runner 2049، فان الروبوتات الحقيقية تجعلنا نعيد التفكير بشأن حياتنا الحضرية.
وتساعدنا هذه المختبرات الحوسبية الالية الثلاثة – طوكيو ،وسنغافورة، ودبي – على قياس نوع المستقبل الذي يتم انشاؤه ومن قبل من. من طوكيو التي تتفوق فيها الروبوتات الى سنغافورة الأكثر ذكاءً، ودبي السعيدة الخالية من الجريمة. تُظهر هذه المقارنات الثلاث انه بغض النظر عن السياق، يُنظَر الى الروبوتات على انها وسيلة لتحقيق مستقبل عالمي يستند الى خيال وطني. تمامًا كما في الافلام، فانها تظهر دور الدولة في تصور وخلق هذا المستقبل.