تبدو العديد من الحالات الصحية العقلية المتنوعة، مثل التوحد، وادمان الكحول، والفصام سطحيًا وكأن لها صفات مشتركة تربط بعضها ببعض.
تكشف نظرة على الجينات التي يُعبر عنها في ادمغة الافراد الذين يتم تشخيصهم باحد الامراض العقلية الخمسة عن درجة غير متوقعة من التراكب، مشيراً الى ان العديد من الاضطرابات العقلية تتشابه اكثر مما تبينه اعراضها.
استخدم فريق من الباحثين، قبل خمس سنوات، البيانات التي قدمتها تجربة اتحاد الجينات العقلية (Psychiatric Genomics Consortium) ليبينوا ان الناس المصابين باضطراب طيف التوحد (Autism Spectrum Disorder – ASD)، واضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، واضطراب المزاج ثنائي القطب، واضطراب الاكتئاب الشديد، والفصام غالباً ما يتشاركون عدداً قليلاً من الاختلافات الجينية.
وعلى الرغم من كون البيانات غير متوقعة الى حد ما، الا انها لم تبين الكثير عن كيفية ارتباط هذه الجينات باي من هذه الحالات.
اضافت دراسة تبعت الدراسة السابقة تفاصيل جديدة للاكتشاف، مبينة مستويات التشابه بين الاضطرابات المختلفة والتي لم تكن مفاجئة وحسب، بل غير متوقعة تماماً.
انتج الفريق الدولي للعلماء ما يعرف بشاكلة الترانسكريبتوم (transcriptomic profile) او يعرف ايضا بالصياغة التعبيرات (وهو فحص مستوى تعبير الرنا (RNA) المرسل في تجمع خلوي محدد) على 700 عينة من الدماغ مأخوذة من المرضى المتوفين الذين شُخصوا باضطراب طيف التوحد، او الفصام، او اضطراب المزاج ثنائي القطب، او الاكتئاب، او الادمان على الكحول.
اعطاهم هذا مجموعة ليس فقط للجينات الموجودة في العينات، بل ايضاً لنشاطها النسبي في الطبقة الخارجية للدماغ والمعروفة بالقشرة الدماغية.
قورنت هذه المجاميع مع العينات المأخوذة من اقل من 300 مريض لم يشخصوا، وكذلك من مما يقارب من 200 شخص مصاب بمرض التهاب الامعاء.
في حين اننا نتوقع حالات مع اعراض مشابهة تتشارك بالتعبيرات الجينية، الا ان هذه النتائج كانت صعبة التفسير.
يصنف اضطراب المزاج ثنائي القطب والاكتئاب، على سبيل المثال، بانهما اضطرابا في المزاج، لذا لن يكون الامر مفاجئاً اذا كانا يتشاركان في الكيمياء الحيوية الاساسية.
جاءت حقيقة ان في الترانسكريبتوم للاضطراب ثنائي القطب قواسم مشتركة كثيرة مع الفصام بمثابة صدمة.
يقول المختص بعلم الوراثة والطب النفسي من جامعة فيرجينيا كومونويلث (Virginia Commonwealth University) كينيث كندلر (Kenneth Kendler) :”ليس هذا ما كان يتوقعه الاطباء،”
“وتشير بالتأكيد بان فكرة ان هذه انواع مختلفة من الاضطرابات غير صحيحة.”
عُثر على روابط بين الفصام والتوحد. انه ليس كشف، لكن اظهر البحث بان العديد من الجينات الموجودة في كلتا الحالتين تكون اكثر نشاطا في الاشخاص المصابين بالتوحد.
كانت الجينات المعروف بانها مرتبطة بالمعدل الذي تنطلق فيه الاشارات العصبية من الخلايا العصبية في الدماغ اكثر خمولاً في العينات المأخوذة من الاشخاص المصابين بالتوحد، والفصام، واضطراب ثنائي القطب.
فشل الفريق، الى جانب مجموعة الارتباطات المثيرة للاهتمام، في العثور على اي تشابه بين الادمان على الكحول والامراض الاربعة الاخرى.
وبين بحث سابق اجري على توأم ان الاشخاص المدمنين على الكحول والمصابين بالاكتئاب اكثر عرضة لتقاسم جينات معينة، وهذا يشير على وجود تداخل في علم الاعصاب.
وان كان هناك، فإن البحث يشير بان هؤلاء الذين لديهم جينات مشتركة لا يعبرون عن انفسهم. لم يجد الفريق اي تشابه في الترانسكريبتوم بين عينات الناس الذين تم تشخيصهم بالادمان على الكحول والذين يعانون من الاكتئاب.
تظهر الدراسات مثل هذه مدى غموض مفهوم المرض، خصوصاً عندما يتعلق المرض بالصحة العقلية.
تكشف الابحاث الوراثية، وبعيداً عن وجود حدود الاختلاف، كم ان جذور الامراض النفسية المتنوعة معقدة.
يقول كندلر :”بدأنا نرى الاتضاح البطيء لاجزاء اللغز،”
وهو لامر رائع لتحسين كيفية تشخيص وعلاج معاناة الاشخاص الذين يعانون من الامراض العقلية.