هَل نختار أفكارنا؟
الجَميع يَعرف ما يَشعُر به عندما يكون بوعيه، فهذا شُعور بَديهيّ من الوعي الشخصي، الذي يُعطينا الشعور بالمُلكية والسَيطرة على الأفكار والعواطف والخبرات التي لدينا كل يوم.
ويَعتقد مُعظم الخُبراء أن الوعيّ يُمكن تقسيمه إلى قسمين:-
1- تجربة الوعي أو( الوَعي الشخصيّ)
2-ومحتويات الوعي، والتي تَشمل أشياء مثل الأفكار والمُعتقدات والأحاسيس والتَصورات والنوايا والذكريات والعواطف.
فَمن السهل أن نفترض أن محتويات الوعي هذه بطريقة أو بأخرى يتم إختيارها، سَببها أو التحكم فيها من قبل وعيّنا الشخصي – بعد كل شيء، الأفكار لا وجود لها حتى نفكر فيها.
ولكن في ورقة بحثية جديدة في حدود علم النفس، نرى أن هذا خطأ.
حيث تقترح أن وعينا الشخصيّ لا يَخلق أو يسبب أو يختار معتقداتنا، مشاعرنا أو تصوراتنا. بدلا من ذلك، يتم إنشاء محتويات الوعي “وراء الكواليس” وذلك من خلال أنظمة سريعة وفَعّالة وغير واعية في أدمغتنا.
كل هذا يحدث دون أي تَدخل من وعينا الشخصي، الذي يَجلس بشكل سلبي في مقعد الراكب في حين تحدث هذه العمليات.
ببساطة، نحن لا نختار بوعي أفكارنا أو مشاعرنا – نحن نصبح على بَيّنة منها.
ليس مجرد اقتراح:-
إذا كان هذا يبدو غريباً، والنَظر في ماهو الجُهد الذي يجعلنا نستعيد الوعي كل صباح بعد خسارتهِ في الليلة السابقة. كيف الأفكار والعواطف – الترحيب أو خلاف ذلك – قد تشكلت مسبقا في أذهاننا؟. كيف يتم بناء الألوان والأشكال التي نراها إلى كائنات ذات مغزى أو وجوه لا تنسى دون أي جهد أو مُدخلات من العقل الواعي لدينا؟.
النَظر في أن جميع العمليات العصبية النفسية المسؤولة عن تحريك جسمك أو استخدام الكلمات لتشكيل جُمل تجري دون إشراك الوعي الشخصي. ونحن نعتقد أن العمليات المسؤولة عن توليد محتويات الوعي تفعل الشيء نفسه.
وقد تأثر تفكيرنا من البحوث في الإضطرابات العصبية والنفسية العصبية، فضلا عن دراسات علم الأعصاب الإدراكي الأحدث باستخدام التنويم المغناطيسي.
وتظهر الدراسات التي تستخدم التنويم المغناطيسي أن مزاج الشخص، والأفكار والتصورات يمكن أن تتغير بشكل عميق من خلال الاقتراح.
في مثل هذه الدراسات، المُشاركين يذهبون من خلال إجراء التنويم المغناطيسي، لمساعدتهم على الدخول في حاله مركزه ذهنيا واستيعابها. ثم تُقدم اقتراحات لتغيير تصوراتهم وخبراتهم.
على سبيل المثال، في إحدى الدراسات، سّجل الباحثون نشاط المخ للمشاركين عندما قاموا برفع ذراعهم عمداً، عندما رفعت بواسطة بكرة، وعندما تحركت إستجابة لاقتراح مُنوّم أنه كان يُرفع بواسطة بكرة.
وكانت هناك مناطق مُماثلة من الدماغ نشطة أثناء الحركة غير الطوعية والحركة “الغريبة” المقترحة، في حين كان نشاط الدماغ للعمل المُتعمد مختلفا.
لذلك، يمكن النظر إلى اقتراح المُنومة كوسيلة لتوصيل فكرة أو اعتقاد أنه عند قبوله، لديه القدرة على تغيير تَصورات الشخص أو سلوكه.
السَرد الشخصي:-
كُل هذا قد يَترك المرء يَتساءل أين أفكارنا، والعواطف والتصورات تأتي في الواقع. ونحن نرى أن محتويات الوعي هي مجموعة فرعية من التجارب والعواطف والأفكار والمعتقدات التي يتم إنشاؤها من خلال عمليات غير واعية داخل أدمغتنا.
هذه المجموعة الفَرعية تأخذ شكل السرد الشخصي، والتي يتم تحديثها بإستمرار. والسرد الشخصي موجود بالتَوازي مع وعينا الشخصي، ولكن هذا الأخير ليس له تأثير على السابق.
السرد الشخصي مُهم لأنهُ يُوفر المَعلومات التي سَيتم تَخزينها في الذاكرة الذاتية الخاصة بك (القصة التي تقولها لنفسك، عن نفسك)، ويعطي البَشر وسيلة لتوصيل الأشياء التي يراها وخبرة للآخرين.
وهذا بدوره يسمح لنا بتوليد إستراتيجيات البقاء. على سبيل المثال، من خلال التعلم للتَنبؤ بسلوك الآخرين. والمهارات الشخصية مثل هذا تدعم تطوير الهياكل الاجتماعية والثقافية، التي عَززت بقاء النوع البشري لآلاف السنين.
لذا، فإننا نرى أن القُدرة على التواصل بين محتويات السرد الشخصي – وليس الوعي الشخصي – يعطي الإنسان ميّزة تطورية فريدة من نوعها.
ما هي النقطة؟
إذا كانت تَجربة الوعي لا تمنح أي ميزة خاصة، أنه غير واضح ما هو الغرض منه.
ولكن كَمرافق سلبي لعمليات غير واعية، ونحن لا نعتقد أن ظواهر الوعي الشخصي له غرض، نفس طريقة قوس القزح .
يتكون قوس القزح ببساطة من إنعكاس وإنكسار وتَشتت أشعة الشمس من خلال قطرات الماء – لا يخدم أي منها غرض معين.
وتُثير إستنتاجاتُنا أيضاً تساؤلات حولَ مفاهيم الإرادة الحُرة والمسؤولية الشخصية. إذا كان وعينا الشخصي لا يُسيطر على مُحتويات السَرد الشخصي الذي يعكس أفكارنا ومشاعرنا وعواطفنا وأفعالنا وقراراتنا، فلعلنا لا نتحمل المسؤولية عنها.
و رداً على ذلك، نرى أن الإرادة الحُرة والمسؤولية الشخصية هي مفاهيم شَيّدها المجتمع. على هذا النحو، فهي مَبنية في الطريقة التي نرى وفهم أنفسنا كأفراد، ونتيجة لأنواع.
وبسبب هذا، فهي ممثلة في العمليات غير الواعية التي تخلق رواياتنا الشخصية، وفي الطريقة التي ننقل بها تلك الروايات للآخرين. لأن الوعي قد وضع في مقعد الراكب فقط، لا يعني أننا بحاجة إلى الاستغناء عن المفاهيم اليومية الهامة مثل الإرادة الحرة والمسؤولية الشخصية.
في الواقع، فهي جزءا لا يتجزأ من عمل نظم الدماغ غير واعية لدينا. ولها غرض قوي في المجتمع ولها تأثير عميق على الطريقة التي نفهم بها أنفسنا.