الجينات المرتبطة بمرض الزهايمر والتدخين الكثير تكون بنطاق اقل شيوعاً بالنسبة للأشخاص ذوي الاعمار الطويلة، ويشير هذا انه على الرغم من مزيج الذكاء والوعي الذاتي لدينا، فإن الانتقاء الطبيعي لا يزال يشكل جنسنا البشري.
حدد الباحثون، في دراسة جينية ضخمة تغطي اكثر من 170,000 شخصاً من جميع انحاء بريطانيا والولايات المتحدة، مجموعة متنوعة من الجينات الفردية وجينات اخرى والتي توضح صورة لكيف ان جيناتنا تتطور بصورة بطيئة من جيل الى آخر.
وبدأ باحثون من جامعة كولومبيا (University of Columbia)، ومركز ابحاث جينات نيويورك (New York Genome Center)، وجامعة كامبريدج (University of Cambridge) بخطوة حاسمة لتحقيق هدف طموحي، لقياس اللياقة البدنية التطورية البشرية.
من السهل معرفة الحل ولكن لا احد يعلم ما سيحصل مستقبلاً، وبعد فترة زمنية طويلة، فأنه من السهل رؤية كيف ان البنية التشريحية الحديثة للانسان قد تغيرت في الحجم والشكل.
وكنا قادرين على مقارنة ظهور واختفاء بعض الجينات بفترات زمنية اقصر، وهذا الامر يسمح لنا بالتكيف مع البيئة.
على سبيل المثال، سمحت تغيرات النظام الغذائي للعديد من السكان بالتكيف لتحمل سكر اللاكتوز خلال الـ20,000 سنة الماضية.
واعطانا تغير جين HERC2 قبل 10,000 سنة، اول مثال لتكون العيون الزرقاء، وتعتبر الآن سمة منتشرة في بعض انحاء العالم.
وحتى مؤخراً، فإن الانتقال للعيش في المدن سمح للجينات بتقليل خطر الاصابة بالامراض المنهكة مثل السل والجذام.
ليس هنالك ما يدعو للاعتقاد بأن البشر لم يعودوا تحت تأثير الانتقاء الطبيعي، حتى لو كان ذلك الانتقاء يبدوا اقل “طبيعيةً” واكثر “تحضراً”.
وتشير الابحاث السابقة على مدى الـ40,000 سنة الماضية ان تطور الانسان العاقل لم يستمر فقط، وانما تسارع.
ولرؤية كيف تساهم جيناتنا الحالية في اللياقة البدنية البشرية، والحصول على فهم افضل في كيفية استمرارنا في التطور مستقبلاً، فقد وضع العلماء شبكة واسعة على جزء كبير من سكان العالم لنرى ماهي بالضبط الجينات المرتبطة مع الفترة العمرية لنا.
جمع الفريق بيانات 57,696 شخصاً من دراسة بحث الوبائيات الوراثية لصحة البالغين وكبار السن مع تفاصيل عن 117,648 من اولياء امور المشاركين من البنك الحيوي للمملكة المتحدة.
يقول الباحث من جامعة كولومبيا، جوزيف بيركيل (Joseph Pickrell): “انها اشارة دقيقة، لكننا نجد ادلة تبين ان الانتقاء الطبيعي يحدث في المجتمعات الحديثة”.
مثال على ذلك هو في التواتر لتغير في الجين المسمى CHRNA3، والذي يشفر الوحدة الفرعية لمستقبلات النيكوتينيك استيل.
واظهر البحث انخفاضاً ملحوظاً في انتشار هذا الاختلاف بين الرجال بدءاً من منتصف العمر، والذي يدل على ادمان اقوى على النيكوتين والذي ينتقى ببطىء من مجموع سكان العالم.
ويظهر اختلاف جيني اخر وهو ApoE ε4، والذي يشفر نوعاً من البروتينات الذي يحمل الكوليسترول ويدعم اصلاح الاصابات في الدماغ.
ان احتواء هذا النوع من الاختلاف في البروتين يزيد من احتمال الاصابة بمرض الزهايمر. وجدت الدراسة انخفاضاً كبيراً في وجود هذه الجينات في النساء فوق عمر الـ70.
في حين ان هذا الاكتشاف لا يثير الدهشة بحد ذاته، إلا أن الباحثين كانوا يتوقعون إيجاد متغيرات اكثر خطورة لكل من هذه الجينات.
وحقيقة انهم لم يعلنوا عن اي خبر يبين انه الممكن ان تكون هذه الجينات قد تم تطهيرها بالفعل من سكاننا لان الافراد الذين لا يملكونها قد حلوا محل المصابين بها قبلهم.
تقول الباحثة من جامعة كولومبيا، الدكتورة مولي برزورسكي (Molly Przeworski): “قد يستطيع الرجال الذين لا يحملون هذه الجينات الضارة انجاب اطفال اكثر، او ان يساعد الرجال والناس المعمرون احفادهم في تحسين فرص عيشهم لفترة اطول”.
حدد الباحثون، وبالاضافة الى هاتين الطفرتين الشائعتين، مجموعة من الصفات الاخرى المتنبأ بها بواسطة الجينات المرتبطة فترات حياة اقصر، والتي تتضمن الكوليسترول نوع LDL والمسمى بالنوع الضار، وارتفاع مؤشرات كتلة الجسم، وامراض القلب، والربو بدرجة اقل.
عُينت الجينات التي تأخر سن البلوغ وعملية الانجاب كجينات تساهم في فترة حياة اطول، تماشياً مع البحوث السابقة التي اظهرت ان مراحل البلوغ في ما مضى كانت مرتبطة بزيادة مخاطر الاصابة بمرض السكري من النوع الثاني والذبحة الصدرية.
كما انه من المغري تحويل هذه الابحاث الى تنبؤات حول كيف ستبدو الانواع البشرية في المستقبل البعيد، ومن المهم ملاحظة ان محيطنا، والذي يتضمن الطب والتكنولوجيا، يمكن ان يُحدث امورًا لا يمكن التنبؤ بها.
يقول الباحث الرئيس من جامعة كولومبيا، هاكامانيش موستافافي (Hakhamanesh Mostafavi): ”ان البيئة تتغير بإستمرار”.
“السمة المرتبطة بالعيش لفترة طويلة لعدد سكاني معين اليوم قد لا تكون مفيدة لعدة اجيال قادمة او حتى لسكان العصر الحديث”.
ولمزيد من المعلومات، كالمعتاد سيساعد هذا في صقل تغييرات الجينوم لدينا من جيل لأخر، وتحديد افضل لكيف ان هذه الجينات قد تكون مفيدة او معيقة للياقة البدنية السكانية.
عندما يتعلق الامر بالانتقاء الطبيعي، فإن البشر لا يزالون بعيدين عن السيطرة على مصيرهم الجيني.