ضرب اعصار ايرما (Irma) مدينة فلوريدا، بعد أسابيع قليلة من اعصار هارفي (Harvey) الذي تسبب بالدمار في ولاية تكساس الامريكية، وبقي حوالي 12 اسبوعاً قبل بدء موسم اعاصير المحيط الاطلسي، مما يثير هذا الامر سؤالاً وهو: من اين تأتي كل هذه الاعاصير؟
وأظهرت الأبحاث ان معظم العواصف القوية التي ضربت الولايات المتحدة وكندا كانت تبدأ بشكل طقس مختلف وعاصف في الغلاف الجوي فوق غرب افريقيا، وتحديداً فوق سواحل جزر الرأس الاخضر الافريقية (African Cape Verde islands).
واظهرت دراسة نُشرت عام 2015 في مجلة “رسائل البحوث الجيوفيزيائية” (Geophysical Research Letters)، انه من خلال مراقبة هذه الاضطرابات الاستوائية عن كثب والتي تحدث بجانب سواحل غرب افريقيا، فانه يمكن للباحثين التنبؤ بشكلٍ افضل بأي من هذه العواصف سيتحول الى اعصار خطير بعد اسابيع قليلة.
قال الباحث الرئيسي من جامعة تل ابيب (Tel Aviv University) في اسرائيل، كولين برايس (Colin Price): “ان نسبة %85 من الاعاصير القوية التي تؤثر على الولايات المتحدة وامريكا تبدأ بشكل اضطرابات في الغلاف الجوي فوق غرب افريقيا”.
“وجدنا انه كلما زادت مساحة هذه الاضطرابات، كلما زادت فرصها بالتحول الى اعاصيرٍ بعد اسبوع او اسبوعين”.
والامر المثير للاهتمام هو ان هذه الاعاصير ترتبط ارتباطاً مباشراً بواحد من اكثر الاماكن جفافاً على وجه الارض وهو الصحراء الافريقية (The Sahara).
يُشكل التفاعل بين الهواء الجاف والحار للصحراء الافريقية والهواء البارد وشديد الرطوبة من خليج غينيا (Gulf of Guinea) الى جنوبه ما يعرف بـ”رياح شرق افريقيا”، والتي تهب من شرق الى غرب افريقيا.
ويمكن ان يسبب هبوب تلك الرياح اضطرابات في الغلاف الجوي او موجة من العواصف الرعدية والتي بدورها تشكل ما يعرف بـ”الموجات الاستوائية”.
وقد اظهرت دراسة في عام 2015 انه عند هبوب تلك الرياح على السواحل الغربية لجزر الرأس الاخضر الافريقية، فأنه يمكن التنبؤ بما اذا كانت هذه الموجات الاستوائية ستصبح اعاصير بعد اسبوعٍ او اسبوعين بواسطة كمية السحاب المغطية لتلك النقطة.
كيف يمكن لكل ذلك ان يحدث؟ الاجابة على ذلك هو ان الامواج الاستوائية تتفاعل مع المياه الاستوائية الدافئة للمحيط الاطلسي اثناء توجهها نحو الغرب، مما يؤدي الى ارتفاع أعمدة الهواء الدافىء والرطب من المحيط.
وهذا يوفر اثنين من العناصر الرئيسية الثلاثة اللازمة لتحول العواصف الاستوائية الى اعاصير كاملة، وهذه العناصر هي: الهواء الرطب، ودوران الكرة الارضية، ودرجات الحرارة الدافئة للمحيط. عندما تصل سرعة الرياح الدوامة الى 74 ميلًا في الساعة (119 كيلومتر في الساعة)، فانها تُصنف كإعصار من الفئة الاولى.
تم رصد اعصار ايرما لأول مرة كاضطراب استوائي قبالة جزر الرأس الاخضر الافريقية في اواخر شهر آب/ اغسطس، وقبل ان يتحول الى اعصار في المحيط الاطلسي والذي كان في طريقه نحو منطقة البحر الكاريبي والولايات المتحدة.
وفقاً للباحث برايس، فإن نسبة %10 من مجموع 60 اضطراباً جوياً ينشأ في افريقيا كل سنة يتحول الى اعاصير، اي يشمل الاضطرابات التي تتسنى لها الفرصة لجمع طاقة كبيرة اثناء عبورها المحيط الاطلسي، مما يجعلها قوية جداً واكثر عرضةً لضرب الولايات المتحدة وكندا.
وكتبت وكالة الادارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي الحكومية (National Oceanic and Atmospheric Administration- NOAA): ” لا تتشكل كل الاعاصير في المحيط الاطلسي القريب من جزر الرأس الاخضر الافريقية، ولكن هذا هو حال معظم الاعاصير الرئيسية التي ضربت ولايات القارات الامريكية”.
ويعمل الباحثون في جميع انحاء العالم الآن على تحسين قدرة التنبؤ بأي من هذه الاضطرابات التي يجب مراقبتها والاستعداد لها.
وقال برايس: “اذا استطعنا التنبؤ بإعصارٍ قبل اسبوع أو اسبوعين، وهذا هو المدى العمري للاعصار، فتخيل كيف سيتسنى للمدن والبلدات من القيام باستعداداتٍ لمواجهة هذه الظواهر الطبيعية”.