شخَّصَ الباحثون جيناً يعمل على منع الخلايا الدماغية المهمة في الفئران من أن تتقاطع مساراتها الكهربائية العصبية، مما يشير إلى وجود علاقة محتملة بين طريقة ربط الدماغ واضطرابات المزاج كالاكتئاب.
من دون الجين المسمى Pcdhαc2، تصرفت الفئران بشكل أكثر اضطراباً، حسب تقرير الباحثين في 28 ابريل في مجلة العلوم (Science).
تمتد من الخلايا العصبية (أو العصبونات)، التي تنتج الناقل العصبي السيروتونين (Serotonin)، بروزات طويلة تسمى المحاور العصبية إلى أجزاء مختلفة من الدماغ. يؤثر السيروتونين المفرز من نهايات المحاور في خلايا عصبية أخرى في المناطق المستهدفة، وبالتالي يؤثر في المزاج والمظاهر السلوكية الأخرى. ومن أجل انتقال فعال للإشارات الكهربائية، يجب أن تكون المحاور العصبية متباعدة بشكل مناسب.
خلال العمل الجديد، وجد علماء من مدينة نيويورك، سانت لويس والصين أن هذا التباعد معطل في الفئران التي تفتقر إلى الجين Pcdhαc2. ونتيجة لذلك، فإن الدوائر الكهربائية التي تعتمد على السيروتونين لا ترتبط بشكل صحيح، وأظهرت هذه الفئران تصرفات تدل على الاكتئاب.
تم العثور على Pcdhαc2 ضمن تجمع من الجينات و التي تحتوي على مخططات للبروتينات التي تبرز من سطح الخلايا. تعمل هذه البروتينات مثل البطاقات التعريفية، وفقاً لما قاله جوزيف دويرتي (Joseph Dougherty) المساهم في الدراسة، وهو مختص بالوراثة العصبية في الكلية الطبية لجامعة واشنطن في سانت لويس. في الوقت الذي تتفرع فيه المحاور العصبية المحررة للسيروتونين خلال الدماغ، فإن بإمكانها التعرف على المحاور الأخرى التي تحمل بطاقات تعريفية مماثلة، فتنتشر متباعدة عن مسارات بعضها بعضاً. تباعد هذه العملية (التي تسمى Neuronal tiling) بين المحاور العصبية بالتساوي في مناطقها المستهدفة ضمن الدماغ.
ولكن بالنسبة للفئران التي مُحيَّ فيها هذا التجمع الجيني بأكمله، لا تحافظ محاور السيروتونين العصبية على المسافة بين بعضها. يقول توم مانياتيس (Tom Maniatis) وهو باحث مشارك ومختص في علم الأعصاب الجزيئي في جامعة كولومبيا: “تعيق هذه المحاور بعضها، مما يمنعها من الامتداد بشكل تام خلال الدماغ وتوصيل الجرعات المعتادة من السيروتونين.”
التفاوت في انتشار السيروتونين يؤثر في سلوك الفئران. فقد اُجبِرَت الفئران في أحد الاختبارات على السباحة لفترة طويلة من الزمن. كانت الفئران التي مُحيَّ منها تجمع الجينات أكثر عرضة للتخلي عن السباحة من أجل أن تبقى حية. وأظهرت اختبارات أخرى عدم وجود مشكلة في عضلات هذه الفئران أو في حركتها، مما يشير إلى أن الحالة الذهنية تسببت في سلوك الاستسلام.
وجد مانياتيس وزملاؤه أن محو مجموعة واحدة من الجينات في التجمع الجيني لم يسبب تشابك المحاور، مما ترك شكين محتملين. أحدهما هو أن البروتين الذي يشفره الجين Pcdhαc2 فقط هو الذي عُثِرَ عليه في خلايا السيروتونين العصبية.
يقول مانياتيس أن الآلية الحقيقية لكيفية حفاظ البروتين على ترتيب المحاور العصبية باستقامة لا تزال غير معروفة. ولكن يعتقد الباحثون أن شيئاً ما في داخل البروتين يعمل على صد البروتينات الأخرى التي تحمل البطاقة التعريفية ذاتها، مما يُبقِي المحاور العصبية متباعدة بما يكفي حتى لا تتشابك.
ما هو واضح أكثر، كما يقول دويرتي، هو كيف أن تثبيط هذا الجين يمكن أن يجعل الفئران تتصرف بطريقة تدل على الاكتئاب.
أجرى شون ميلارد (Sean Millard)، عالم أعصاب في كلية العلوم الطبية الحيوية في جامعة كوينزلاند في أستراليا، بحوثاً حول جينات الذباب التي تؤثر في تباعد الخلايا العصبية. لقد كانت النتائج الوراثية في الفئران متطابقة مع ما وجِدَ في الذباب، ويقول ميلارد: “من الجميل حقاً ملاحظة أن آليات مماثلة تعمل في الكائنات العليا.”
بحث أكثر تفصيلاً سينظر في ما إذا كانت الطفرات في نفس الجين في البشر ستسبب الاكتئاب أم لا. ومن الممكن أن ترشد آثار الربط العصبي في هذه الدراسة الباحثين إلى اتجاه جديد للبحث في الاضطرابات النفسية المرتبطة بالسيروتونين. لقد ركزت العديد من الدراسات السابقة على كيفية انتقال السيروتونين وتصنيعه، بالإضافة إلى الجينات التي تتحكم في مستويات هذه المادة الكيميائية. بدلاً من ذلك، يقول دويرتي: “ربما يجب علينا أن ننظر إلى الجينات التي تنظم ترابط السيروتونين.”