هؤلاء الأمهات الخارقات من عالم الثدييات يوصَفن بأنَّهن كبيرات الحجم، خجولات، ذوات شعرِ أحمر، وبحسب دراسة طبقات النمو في أسنان الاورانغوتان (أو كما يدعى بإنسان الغاب) تبين أن الأمهات يمكن أن يعتنين بصغارهن لمدة تزيد على ثمانية أعوام، وهو رقمٌ قياسيٌ للثدييات البرية.
“الأسنان التي أخذت من عينة أحد المتاحف لصغار الأورانغوتان البورنيوي (أو كما يدعى بإنسان الغاب البورنيوي) لا تظهر أي علامات للفطام حتى 8.1 سنة من العمر و أحد حيوانات الأورانغوتان السومطري (إنسان الغاب السومطري) كان لا يزال يُعتنى به خلال الأشهر القليلة قبل أن يُقتل في عمر 8.8” ، حسب ما نقله الباحثون في “Science Advance” بتأريخ 17 مايو.
كما تقول المديرة العلمية للدراسة تانيا سميث، وهي عالمة الأنثروبولوجيا التطورية في جامعة غريفيث في ناثان – أستراليا: “تُظهر الإختبارات أيضاً أن الصغار يبدأون دورياً في ترك اعتمادهم على حليب أمهم، وربما، إذا أصبح الغذاء المناسب لهم نادراً، يعودون لحليب أمهم و لكن ما يبدو و كأنه حمية، دورة الإعتناء هذه غير معروفة في الثدييات البرية الأخرى.”
قبل هذا العمل، كانت معلومات الفطام عن حيوانات الأورانغوتان متفرقة، وقد قالت سميث:- “إن أفضل الجهود الميدانية التي يبذلها علماء الأحياء لتتبع الفطام في حيوانات الأورانغوتان البورنيوي مع أعياد الميلاد المعروفة قد ربطت ب 7.5 سنوات كأطول فترة للعناية. تقرير الفطام الآخر الوحيد في البرية لصغير بورنيوي عمره معروف كان 5.75 سنوات.”
سميث ليس لديها أي علم بتقارير أخرى من هذا القبيل لحيوانات الأورانغوتان السومطري. يقول سيرج ويتش من جامعة جون موريس في ليفربول في إنكلترا، و الذي لم يشارك في هذه الدراسة الجديدة : ” إن حيوانات الأورانغوتان في الغابة الأم لا يجعلون عملية الفطام سهلة الاكتشاف.” حيث أنه بدأ يراقب القرود في عام 1993، ويشير إلى أن “الرضاعة تحدث على الأشجار العالية جداً، لذلك نحن دائما في زاوية مراقبة حرجة قليلاً. كما وإن هذه الحيوانات كثيفة الشعر”. لذلك تحديد ما إذا كانت الأم ترضع صغيرها أو تحضنه فقط لا يمكن تحديده علمياً بدقة.
لذا لتحديد الفترات الزمنية بدقة، إنتقلت سميث وزملاؤها إلى المعلومات التي يمكن إكتشافها في الأسنان. تنمو الأسنان الرئيسية وفقاً لإيقاع الساعة البيولوجية، وبوضع طبقةٍ مجهرية كل يوم، بدءاً من الولادة. وبما أن نمو العظام والأسنان للصغار تتم باستخدام الكالسيوم الموجود في الحليب الذي تزودهم به الأمهات من هياكلهن العظمية. عنصر مماثل، وهو الباريوم، ينتقل لهم تلقائياً بتناولهم الحليب وينتهي في العظام والأسنان أيضاً، لذا تقول سميث: “الأمهات يضحين بأجزاء من أنفسهن لإطعام صغارهن”.
وتتركز نسبة أكبر من الباريوم في طبقة الأسنان مبينة طول الفترة التي تم فيها بناء السن بإستخدام نسبة كبيرة من حليب الأم. لقراءة تأريخ حليب الأم، استخدمت سميث طريقة لتتبع تركيزات الباريوم التي تم تطويرها مع الزملاء في مدرسة إيكان للطب في جبل سيناء في مدينة نيويورك. حيث قام الباحثون بجمع عينات من الأضراس من أربع نماذج غير ناضجة، اثنان لكل صنف من حيوانات الأورانغوتان، والتي تم الإحتفاظ بها في مختارات المتحف.
وقد قالت سميث: “تم الإحتفاظ بهذه الأسنان منذ عقود مضت عندما كان جامعوها يتجولون ويقومون بإطلاق النار عشوائياً على الأنواع المهددة بالإنقراض”. حالياً، كلاً من حيوانات النوعين الأورانغوتان البورنيوي والأورانغوتان السومطري تم تصنيفهم كحيوانات مهددة بالإنقراض بشكل خطير. النشاط الزائد في قطع الأشجار وزراعة نخيل الزيت يحد من سُبل عيشهم في الغابات، كما وأن تُجار الحيوانات الأليفة يكافئون الصيادين الذين يطلقون النار على الأم ليمسكوا بصغيرها اللطيف ويبيعوه ودون كل هذا لم يكن من الأساس لدى أي من فصائل هذه الحيوانات موارد خصبة، حيث نشأت هذهِ الحيوانات في الغابات المزدهرة وطويلة الكساد في الإمدادات الغذائية. وقد يكون الإعتناء لفترات طويلة بصغارهم جزءاً من أسباب عدم اليقين في الإستمرار بسكنهم والندرة في بيئتهم. يناقش الباحثون ما إذا كان عدم يقين مماثل بعض الشيء شكل تطور الإنسان. ومن بين القرود، نشأت فصيلة الإنسان “ممتدة” الطفولة، ولكن بسرعة مختلفة عن حيوانات الأورانغوتان، كما تقول سميث. “إن دراسة أبناء عمومتنا يضع تأريخنا الخاص في السياق”.
علامات تناول الحليب
يتم عرض صورتين من مقطع عرضي لعينة من حيوان الأورانغوتان البورنيوي (إنسان الغاب البورنيوي) البالغ من العمر 4.5 عاماً. على اليسار، تشير الأرقام إلى أيام من الولادة (خط منقط، يبتدئ من 0) عندما تبدأ بقع معينة بالتشكل. على اليمين، تشير الألوان إلى تركيزات الباريوم، والتي تزيد (التظليل يميل للّون الأحمر) عندما يعتمد الصغير أكثر على حليب الأم، وتشير رقعةٌ خضراء في الأعلى إلى الإعتناء بالطفل الرضيع ثم يميل التظليل للون الأزرق كلما أصبح الغذاء الصلب جزءاً من النظام الغذائي. تشير الشرائط الصفراء والحمراء إلى المرات المتكررة التي يعتمد فيها الصغير على الحليب من أجل التغذية.
و تظهر التركيزات المخططة أدناه (غير الخطية) زيادة تدريجية خلال فترة الإعتناء بالرضيع ثم قمم تمثل العودة الدورية إلى الرضاعة المكثفة.