أفاد فريقان من الباحثين بتأريخ الثامن من حزيران انهم رصدوا جزيء قبل نشوء الحياة – كتلة بنائية محتملة للحياة – حول نجوم حديثة التشكُل شبيهة بالشمس، يحتوي جزيء ايزوسيانات المثيل (methyl isocyanate) ، على هيكل مشابه كيميائياً لرابطة الببتيد (peptide)، وهو ما يربط الأحماض الأمينية معاً في البروتينات. وتشير النتائج إلى أن الجزيئات العضوية المعقدة جداً يمكن أن تكون تكونت في وقت مبكر جداً خلال تطور الأنظمة النجمية.
تقول عالمة الكيمياء كارين اوبرغ (Karin Öberg) من مركز هارفارد سميثونيان (Harvard-Smithsonian) للفيزياء الفلكية في ماساتشوستس، في كامبريدج. والذي لم يشارك في الدراسات: “إنه يدل على أن مستوى التعقيد الذي يمكنك ملاحظته قبل تشكُل الكواكب عالٍ جداً”. و يضيف: “تم الكشف عن الكثير من الخطوط [الطيفية]، مما يعطينا الثقة بأنها حقيقية. و بإنه كشفاً آمناً”.
أيزوسيانات المثيل اصبحت هدفاً لعلماء الفلك الكيمائيين منذ أن اكتشفت بعثة روزيتا لوكالة الفضاء الأوروبية (European Space Agency’s Rosetta) جزيء المذنب (67P/Churyumov-Gerasimenko) قبل عامين. ويُعتقَد أن المذنبات قد نجت دون أن تتغير منذ الأيام الأولى للنظام الشمسي، لذلك فإن اكتشاف أيزوسيانات المثيل يبين أنها كانت موجودة على المذنب منذ ذلك الحين ولم يتشكل على الكوكب.
على الرغم من ان اكتشاف (67P/Churyumov-Gerasimenko) هو موضع شك لدى البعض، فإن أيزوسيانات المثيل قد اكتشفت أيضاً في سحب متشكلة في نجمتين هما (Orion KL) و ((Sagittarius B2(N) في عامي 2015 و 2016، ولكن بيئات هاتين النجمتين ساخنات جداً ومليئات بالنجوم الضخمة على عكس حال النجمة المكتشفة حديثاً (الشبيهة بالشمس).
و من دون تردد، بدأ الباحثون بدراسة المزيد من المصادر الشبيهة بالشمس، وكانت إحدى المجموعات تقوم بالفعل بمعاينة مجموعة من النجوم الصغيرة جداً و المعروفة باسم (IRAS 16293-2422).
و يقول أحد أعضاء الفريق نايلز ليغترينك (Niels Ligterink) من مرصد ليدن (Leiden) في هولندا : “لقد فكرنا، لماذا لا نبحث عن [أيزوسيانات الميثيل] في مصدرنا؟ “. و الأداة المفضلة لمثل هذه الدراسات هي مصفوفة اتاكاما ذات التدريجات الكبيرة للملميتر و أجزاء الملميتر ( Atacama Large Millimeter/submillimeter Array (ALMA، وهي مجموعه من الاطباق العاليه في جبال أنديز في تشيلي.
وتركز (ALMA) على منطقة الطيف بين الموجات الراديوية و ضوء الأشعة تحت الحمراء، مجموعة الترددات التي تبعثها الجزيئات المعقدة عند خضوعها لتحولات مختلفة. و لأن الجزيئات معقدة جداً، فإن هناك العديد من التحولات الممكنة، و كلٌ منها يبعث فوتونات بتردد معين. لذلك فإن جزيء مثل “أيزوسيانات المثيل” سوف يبعث خصائص مميزة له من الفوتونات التي سوف تظهر كتموجات أو خطوط في الطيف الذي سيتم التقاطه من قبل السحابة الغازية. و يتمثل التحدي الذي يواجه علماء الفلك في تحديد ما يميز هذا الجزيء بين العديد من الخطوط الطيفية لجميع المواد الكيميائية الأخرى الموجودة في السحابة.
فريق ليغترنك قام بتمشيط البيانات التي تم جمعها من النجم (IRAS 16293-2422) بإستخدام (ALMA) في سنتي 2014 و 2015، و وجدوا 43 خط يمكن تحديدها بوضوح منبعثة من جزيء ايزوسيانات المثيل. واستخدم الفريق الآخر، بقيادة رفاييل مارتن دومينيتش (Rafael Martín) الدومينيك لمركز علم الأحياء الفلكية في مدريد، إستخدموا بيانات جديدة واخرى مؤرشفه للعثور على ثمانية خطوط أخرى في نطاق تردد مختلف. وقدم الفريقان تقريراً عن نتائجهما في العدد الأخير من النشرات الشهرية للجمعية الملكية الفلكية (the Royal Astronomical Society).
ثم حاول الفريقان معرفة كيف يمكن أن تتشكل إيزوسيانات المثيل في بيئة شديدة البرودة و غير مساعدة، في سحابة كوكبية أولية حول نجم صغير حيث سيكون هناك حبيبات صغيرة من المواد الصخرية التي من شأنها أن توفر سطح يمكن للمواد الكيميائية أن تتفاعل عليه.
ويقول ليغترنك أن فريقه ملأ حجرة مفرغة بخليط غازي من حمض الإيزوسيانيك والميثان وبرده بدرجة حرارة 15 كلفن، و بتجميد الغازات على سطح من الذهب. ثم أضاءة السطح بضوء الأشعة فوق البنفسجية المكثفة، كالذي يمكنك ان تحصل عليه من نجم صغير شبيه بالشمس. أظهر طيف الأشعة تحت الحمراء للغاز الناتج، وكذلك قياس الطيف الكتلي علامات واضحة على إيزوسيانات المثيل.
ويقول ليغترنك : “في الفضاء، العديد من الجزيئات الأخرى سوف تكون موجودة أيضاً، مثل المياه و أحادي أوكسيد الكاربون، وثاني أوكسيد الكاربون. لذا هناك حاجة إلى المزيد من التجارب لضمان عدم منع هذه الجزيئات للتفاعل”.
ويقول مارتن : “إن التمثيل الكيميائي للسحابة يوحي بأن التفاعلات على حبوب الغبار لم تكن تنتج ما يكفي من الجزيئات.” و يضيف: “يجب أن يكون هناك المزيد من التفاعلات في المرحلة الغازية للحصول على الوفرة التي لاحظناها”.
و تقول أوبرغ: “أنه على الرغم من أن جزيء ايزوسيانات المثيل ليس أكثر الجزيئات العضوية تعقيداً من التي تم اكتشافها في السحب المتشكلة في النجوم، إلا أنه مثير للاهتمام لأنه يشبه إلى حد كبير جزء رئيسي من البروتينات. لكنها حذرت من القفز إلى استنتاج أن الكواكب المتشكلة حديثاً مزودة بكل العناصر الرئيسية للحياة”. واضافت: “نحن لا نعرف العملية الكيميائية. ونحن لا نعرف ما إذا كان أيزوسيانات المثيل أمر بالغ الأهمية. ونحن لا نعرف كيف تتشكل الببتيدات”، و على الرغم من أن مثل هذه الدراسات تجد جزيئات أكثر تعقيداً قبل تشكل الكوكب، “لكن حلقة الوصل لكيفية تشكُل الحياة على الكواكب مازالت غير معروفة”.
وسيواصل الفريقان و آخرون بتمشيط الغيوم الغازية للجزيئات العضوية المعقدة الأخرى لملء صورة عن تشكُل الحياة. ويقول الدومينيك مارتن: “إن الكأس المقدسة لعمليات البحث هذه هي الأحماض الأمينية، وخاصة أبسطها: الجليسين. والأحماض الأمينية هي الكتلة البنائية للبروتينات، و هي أكثر تعقيداً من أمثال إيزوسيانات المثيل، ومن المرجح أن تتواجد بكميات أصغر من شأنها أن يكون من الصعب الكشف عنها. لذلك الجليسين سيكون انجازاً كبيراً.” و يضيف: “و إذاً ستكون عن بعد خطوة من البروتينات”.