تماماً مثل الشُّجيرات (الأشجار الصغيرة) التي تمتصُّ الضَّوءَ وتحرِّرُ الأوكسجين، فإن حقْن البكتيريا القادرة على التمثيل الضوئي (Photosynthetic bacteria) في القلب يمكن أن يقلل من الضرر الناتج عن النوبة القلبية (Heart attack)، هذا ما إقترحتهُ دراسةٌ جديدةٌ أجريت على الجرذان.
عندما قام الباحثون بحقن البكتيريا في قلوب الجرذان، أعادت هذه الميكروبات الأوكسجين إلى نسيج القلب بعدما قُطع جريان الدم إليه كما في حالة الأزمة القلبية، (وفقاً لما ذكره باحثون في جامعة ستانفورد بتاريخ 14 يونيو في مجلة Science Advances.)
“إنه أمرٌ مبتَكرٌ فعلاً،” كما يقول هيمادري باكراسي (Himadri Pakrasi)، (المختص بعلم أنظمة الأحياء (Systems biologist) في جامعة واشنطن في سانت لويس، والذي لم يشارك في البحث): “يبدو لي كالخيال العلمي، ولكنه سيكون مذهلاً لو نجح بالفعل.”
ويضيف: “لقد أُستخدِم مؤخراً الكائن المسمى Synechococcus elongatus لإنتاج الوقود الحيوي، لكن هذه قد تكون أول مرة يتم فيها استخدام البكتيريا الزرقاء (Cyanobacteria) في البيئة الطبية”.
و قد استجاب باحثون آخرون بحماسة للدراسة. فقد قالت سوزان غولدن (Susan Golden)، التي تَدرسُ البكتيريا الزرقاء في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو: “إنه أمرٌ فظيع، ولكنه فظيعٌ بطريقةٍ جيدة”. ويقول عالم القلب والأوعية الدموية ماتياس نهرندورف (Matthias Nahrendorf) من مستشفى ماساتشوستس العام في بوسطن: “أنا أستمتع بهذه الفكرة، إنها جديدة حقاً”.
إيصال الأوكسجين إلى الأنسجة التي تعاني من نقصه هو ما فكر به جراح القلب والأوعية في ستانفورد جوزيف وو (Joseph Woo) عندما كان وزملاؤه يحلمون بخطة لوضع البكتيريا المستهلكة للضوء في داخل القلب. ففي الأزمة القلبية، يعمل انسداد الشرايين أو الخثرة الدموية على قطع جريان الدم إلى العضو. وبدون الأوكسجين الذي يحمله الدم، تموت خلايا القلب.
أراد وو طريقة للقلب تجعله يصنع أوكسجينه الخاص أو الحصول عليه من مصدر آخر لحين تمكُن الأطباء من فتح الأوعية المسدودة واستعادة تدفق الدم. تصنع النباتات الأوكسجين من ثاني أوكسيد الكربون وأشعة الشمس، لذا تساءل وو، “لم لا يتم جلب الشجرة لـقلبك؟”
بدأ هو وزملاؤه بطحن اللفت والسبانخ للحصول على البلاستيدات الخضراء (Chloroplasts)، العضيات المسؤولة عن عملية البناء الضوئي داخل الخلايا النباتية.
ولكن هذه البلاستيدات لم تتمكن من العيش خارج الخلايا.
كان ذلك عندما علم الباحثون بشأن المتعاقبة الحبيبية المتطاولة (S. elongatus)، وهو كائنٌ قادرٌ على القيام بعملية البناء الضوئي، استخدمته غولدن وباحثون آخرون طويلاً لدراسة إيقاعات الساعة البيولوجية (Circadian rhythms).
بعد اكتشاف قابلية البكتيريا الزرقاء على تزويد خلايا القلب بالأوكسجين في طبق مختبري، كانت الخطوة التالية هي رؤية كيف ستتصرف هذه البكتيريا في الحيوان. أوقف الباحثون تدفق الدم إلى جزء من قلوب الجرذان وتم حقنها بعد 15 دقيقة إما بالبكتيريا الزرقاء أو بمحلول ملحي. زادت البكتيريا من الأوكسجين في أنسجة القلب إلى حوالي ثلاثة أضعاف مستوياته التي تم قياسها مباشرة بعد النوبة القلبية، في حين لم تظهر الفئران التي تم علاجها بالمحلول الملحي أي زيادة في الأوكسجين تقريباً.
لقد كان ذلك في الظلام: عندما عَرَّضَ الباحثون القلب إلى الضوء، ارتفعت مستويات الأوكسجين في الجرذان التي تحتوي على البكتيريا إلى 25 مرة أكثر مما كانت عليه بعد النوبة القلبية. بعد أربعة أسابيع من العلاج، اظهرت هذه الجرذان ضرراً في القلب أقل مما لدى القوارض غير المعالجة، مما يدل على فوائد طويلة الأمد. في الواقع، كانت قلوب الجرذان المعالجة بالبناء الضوئي تنبض بقوة: تدفق الدم من القلب كان أعلى بنسبة 30% في الفئران التي عولجت باستخدام البكتيريا الزرقاء والضوء من تلك التي عولجت بالبكتيريا في الظلام. و يقول وو :”ذلك التدفق الإضافي للدم يمكن أن يشكل الفارق بين الحياة والموت بالنسبة لبعض المرضى”. تشير النتائج إلى أن البكتيريا تحتاج إلى الضوء لتزويد خلايا القلب بما يكفي من الأوكسجين لتفادي الأضرار. وهذا يمثل صعوبة فيما لو استخدمت البكتيريا الزرقاء لعلاج الناس: إيصال الضوء إلى القلب يمثل عقبة كبرى.
كما يقول نهرندورف: “سيكون فتح الصدر للضوء أمراً شبه مستحيل.” و يضيف:”قضاء يوم على الشاطئ لن يقوم بتأدية الأمر”. كما يقول وو أن الباحثين يعملون مع مهندسين في ستانفورد لصنع أجهزة يمكن أن تسلط الضوء خلال العظام والجلد للوصول إلى القلب والأنسجة العميقة الأخرى.
حقن البكتيريا في داخل القلب مسألةٌ محفوفةٌ بالمخاطر أيضاً. فكما يقول نهرندورف: “ما تقوم به هو إصابة النسيج، وهذا نادراً ما يكون أمراً جيداً.” لكن البكتيريا الزرقاء قد تمت إزالتها من أجسام الجرذان خلال 24 ساعة دون أن تحفز الجهاز المناعي لمهاجمة القلب، حسب ما وجده الباحثون. كما تقول غولدن: “بعض البكتيريا الزرقاء تنتج سموماً، لكن هذه الكائنات ليست خطيرة” .
يقول أرنار جيرسون ( Arnar Geirsson)، عالم القلب والأوعية الدموية في جامعة ييل، أن البكتيريا الزرقاء قد توفر الأوكسجين للأنسجة أيضا في أمراض أخرى، مثل إصابات الدماغ، السكتات الدماغية أو الجروح غير القابلة للشفاء لدى المصابين بداء السكري. كما يمكن أن تساعد في حفظ الأعضاء المستخدمة للزرع.
و يقول جيرسون: “أنا منبهر تماماً” و يُضيف قائلاً: “إنها طريقة فريدة حقاً لإيصال الأوكسجين”.