” الرجل الحديدي ” قد يكون هذا لقباً ممتازاً لشخصٍ يرتدي بدلةً حديديةً ومدرعةً ومليئةً بالأسلحة كما يحصل في الأفلام، ولكن في الواقع وعلى المستوى البيولوجي نحن ككائناتٍ حيةٍ نعتمد جميعاً على معدن الحديد للقيام ببعض القدرات الخاصة جدا والمهمة لأجهزة الجسم المختلفة حيث نعتمد على الحديد في نقل الأوكسجين في الدم وتحويل السكر إلى طاقة في الخلايا، هذا من بين وظائف أخرى ومع ذلك فإن الكثير من الحديد أو القليل جداً يمكن أن يسبب الفوضى داخل الجسم، خصوصاً التسمم بهذا المعدن وايضاً فإن مشاكل نقل هذا العنصر داخل وخارج الخلايا تسبب العشرات من الأمراض المختلفة بما في ذلك فقر الدم والتليف الكيسي وغيرها، الآن وجد الباحثون جزيءً او مركباً يمكنه تصحيح بعض تلك المشاكل التي تحصل في عملية نقل الحديد في الحيوانات ( حتى الآن ) يدعى الرجل الحديدي ( نسبة لدوره في اعادة توازن نقل الحديد ) حيث يمكن لهذا المركب الجديد أن يساعد العلماء على فهم تلك الظروف على نحو أفضل وقد يؤدي يوماً ما إلى اكتشاف مركباتٍ جديدةٍ تسهم في إيجاد علاجات أخرى
للحفاظ على التوازن الصحيح والمطلوب للحديد في الجسم، هناك شبكة من البروتينات تقوم إما بحرق الطاقة لضخ ذرات الحديد عبر أغشية الخلايا أو تسمح له بالعبور اذا كان تركيز الحديد اكثر او اقل في احد جوانب الخلية، تنشأ المشاكل عندما يكون أحد هذه البروتينات مصاباً بخللٍ أو مفقوداً وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى العديد من الأمراض مثل فقر الدم ( حديد قليل جداً ) أو داء ترسب الأصبغة الدموية ( أكثر من اللازم ) هذه الأمراض يصعب علاجها بالأدوية الشائعة، لأن معظم الأدوية تعمل عن طريق منع أو تغيير نشاط البروتين الحالي، ما هو مطلوب في هذه الحالات هو استعادة وظيفة بروتينات نقل الحديد المفقودة تماما او المصابة بخللٍ معين.
مارتن بورك، الكيميائي في جامعة إلينوي في شامبين، قضى سنواتاً في البحث عن سبل لإستعادة وظائف البروتينات المعطوبة في هذه الحالة، للتحقيق في مشاكل نقل الحديد بين الأنسجة، بدأت مجموعة بورك الأبحاث مع خلايا الخميرة وقامت بحذف الجين المسؤول عن نقل الحديد، والذي أوقف نمو الخلية تماماً ثم قاموا بتجميع فئاتٍ من مركباتٍ متعددة على شكل جزيئات صغيرة، وقاموا بإضافتها واحداً تلو الآخر إلى الخميرة لمعرفة ما إذا كان أي جزيء منها يستطيع استعادة قدرة الخلايا على النمو و المفاجأة كانت عندما أضافوا جزيء يسمى هينوكيتيول، وهو جزيء مستخلص أصلاً من شجرة هينوكي ( شجرة تنمو في تايوان ) حيث نمت خلايا الخميرة فورا
يقول بورك: “أسفرت الاختبارات التي أجريت مع مجموعتين أخريين من الخميرة من ناقل حديد مختلف عن نتائج مماثلة ” ( اعادة التجربة بظروف مختلفة ) حيث حصلوا على نفس النتائج
كشف فريق بورك في وقت لاحق عن آلية عمل المركب، حيث أن ثلاث جزيئات من هينوكيتيول أحاطت في البداية بذرات الحديد وعزلتها عن محيطها ، وفي الوقت نفسه فإن جزيئات هينوكيتيول تحتوي هي الأخرى مجموعات محبة للدهون والتي تذوب بسهولة في الأغشية الدهنية التي تحيط الخلايا وهذا يسمح لمركب الهينوكيتينول بدخول الأغشية الخلوية والتذبذب من خلالها حاملاً معه الحديد.
ذهب بورك وزملاؤه لدراسة ما إذا كان هينوكيتيول يعمل عندما يعطى لحيواناتٍ تمت هندستها وراثياً لتكون فاقدةً لبروتينات نقل الحديد و في مقالة اليوم من العلوم ذكر أن هينوكيتيول تم اعطاؤه من خلال الفم مع الطعام للقوارض ونجح باستعادة وظيفة امتصاص الحديد في الفئران والجرذان وببساطة أعاد قدرتها على انتاج الهيموغلوبين
يقول ليونارد زون، الذي يدير برنامج الخلايا الجذعية في مستشفى بوسطن للأطفال، وهو خبير في اضطرابات نقل الحديد: “إنه عمل مفيدٌ للغاية”. ويضيف زون ” إن هينوكيتيول سيساعد علماء المختبرات على فهم أفضل لدور بروتينات نقل الحديد ودورها ايضا في الامراض المرتبطة بها، من خلال السماح بإيقاف جينات تلك البروتينات ومن ثم استخدام هينوكيتيول لاستعادة وظيفتهم الطبيعية وبالتالي معرفة طريقه عمله بالكامل وكيفيه تأثيره.
تقول نانسي أندروز، عميد كلية الطب بجامعة ديوك في دورهام بولاية نورث كارولينا، إنها قد تؤدي أيضا لإيجاد علاجاتٍ طبية جديدة وبشكل سريع لمجموعة واسعة من الأمراض البشرية
ومع ذلك، فإن كلّا من أندروز وزون يؤكدان أن هينوكيتيول امامه طريق طويل من الدراسات والأبحاث لضمان أنه آمن عندما يعطى للناس وأنه لا يسبب آثاراً جانبيةً غير مرغوبٍ فيها.
من جانبه، يقول بيرك أنه يأمل أن يمهد هذا البحث الطريق أمام أدوية أخرى لاستعادة وظيفة البروتينات المفقودة، التي يمكن أن تساعد في علاج الأمراض التي تتراوح بين التليف الكيسي والذئبة ( من امراض المناعة الذاتية ) في هذه الحالات، الأدوية التي تساعد على استعادة بروتينات نقل الحديد المفقودة يمكن أن تعمل مثل الأطراف الصناعية ( ليست جزءً منك لكنها تساعدك ) .