عندما يتوقف الأطفال عن التغذية بالرضاعة الطبيعية فان الثديين يتجددان بطريقة غير اعتيادية.
فعندما تتوقف المرأة عن الرضاعة الطبيعية يتحول ثدييها من مصانع إنتاج الحليب طوال الوقت إلى زوائد عادية في غضون أيام.
وقد تم تحديد كيفية التحول الجزيئي اي تحولها من خلايا فارزة للحليب إلى آكلة للخلايا تلتهم جيرانها المحتضرين. ويمكن أن يوفر هذا الاكتشاف رؤى جديدة لما يحدث مسبباً سرطان الثدي.
ان ثدي المرأة يتألف من شبكة من القنوات تغطيها طبقة من الأنسجة الدهنية. و أثناء الحمل تسبب الإشارات الهرمونية الى نمو الخلايا ظهارية تبطن القنوات لتتكاثر وتشكل هياكل تشبه الكرة تسمى الحويصلات الهوائية حيث يتم إنتاج الحليب عند ولادة الطفل. و عندما تتوقف النساء عن الرضاعة الطبيعية، فإن هذه الهياكل تدمر ذاتياً – وهي عملية تنطوي على انتحار خلوي واسع النطاق ومن ثم إزالة الحطام.
هنا يكمن الغموض: عادة ما تزيل الخلايا المناعية للجسم الخلايا الميتة و المحتضرة بعملية تسمى البلعمة، ولكن كمية المواد التي يتم استهلاكها كبيرة لدرجة حيث يتوقع بحدٍ كهذا حدوث التهاب كبير و ألم وتلف الأنسجة و امور على هذا النحو غير ان هذا لا يحدث عندما تتوقف الرضاعة الطبيعية.
يقول ماثيو نايلور، وهو عالم بأمراض السرطان في جامعة سيدني في أستراليا: “إن أحد الجوانب الأقل فهما لهذه العملية هو الكيفية التي يزال بها الحليب الزائد و الأعداد الكبيرة للخلايا الميتة من الغدة الثديية دون تنشيط كبير للجهاز المناعي. .
فبعد الرضاعة، يبدو بأن الخلايا الظهارية تأكل جيرانها من الخلايا الميتة. وبسبب وجود البروتين الذي يسمى Rac1 الضروري لإنتاج الحليب العادي بالإضافة الى عملية البلعمة في الخلايا المناعية ادى الامر الى تساؤل نسرين اختر وزملاؤها في جامعة شيفيلد ما إذا كان من الممكن أيضا أن يشارك في إعادة تكوين الثدي.
تجديد الثدي
و للتحقق من ذلك، تم اختيار حذف الجين لــ Rac1 في اناث الفئران. و نجا الجيل الاول غير انهم كانوا أصغر من المعتاد و ربما يعود السبب الى كون الحليب الذي تلقوه يحتوي على دهون وبروتين أقل من المعتاد. اما الاجيال لاحقة فتوفيت. وكشفت تجارب أخرى أنه في غياب Rac1 فأن الخلايا الميتة و الحليب تملأ الثديين مما يثير تورم و حالة من الاتهاب المزمن الامر الذي عطل قدرة الفئران على تجديد الأنسجة و إنتاج الحليب في حالات الحمل في وقت لاحق.
و يقول تشارلز ستريولي الذي أشرف على الدراسة بأن “الغدة الثديية تحتوي على كمية ضخمة من الأشياء التي يجب التخلص منها بسرعة بعد الرضاعة فإذا كان لديكِ فقط خلايا مناعية تخلصك من الخلايا الميتة فستصابين بالتهاب مزمن وتلف الأنسجة” و يظهر عمل أختر لأول مرة بأن Rac1 بالغ الأهمية في نشاط البلعمة، وأن إزالة الخلايا الميتة والحليب بعد توقف الرضاعة أمر ضروري لوظيفة الأنسجة على المدى الطويل”
وبالاضافة الى عملية البلعمة، يبدو أن Rac1 يحافظ أيضاً على الخلايا الميتة مربوطة بالحويصلات الهوائية لفترة أطول الامر الذي قد يشجع جيرانها على اجتياحهم بدلاً من تركه للخلايا المناعية في مجاري الثدي. وتضيف ستريولي: “إنه يحافظ على البالعات الالتهابية في مجاري الثدي من خلال الحصول على الخلايا الظهارية للقيام بمهمة تطهير نفسها”.
و هذا لا يعني أن الخلايا المناعية لا تلعب أي دور. حيث تقول كريستين واتسون التي تدرس أيضا بيولوجيا الخلايا الثديية في جامعة كامبريدج. “في المرحلة الأولية تكون الخلايا الظهارية بمثابة البالعات غير الاساسية للتخلص من بروتين الحليب وكريات دهون الحليب. فبعد حوالي ثلاثة أيام في الفئران، (والبالعات و غيرها من الخلايا المحترفة) تدخل الغدة و تزيل حطام الخلايا والبقايا”. وتضيف ايضاً بأن هناك حاجة إلى مزيد من العمل لإثبات أن الالتهاب يحدث في غياب هذه العملية.
ويمكن أن يكون للنتائج فائدة لفهم تطور سرطان الثدي. وعلى الرغم من أن الرضاعة الطبيعية المطولة تقلل من خطر الإصابة بالسرطان بشكل عام، فإن النساء يتعرضن لخطر متزايد للإصابة بسرطان الثدي في الفترة من 5 إلى 10 سنوات الأولى بعد الحمل، وهذه السرطانات تميل إلى أن تكون أكثر عدوانية. وتقول احدى النظريات بأن الاصابة بالالتهاب خلال هذه الفترة أي فترة اعادة تجديد الثدي بعد الرضاعة الطبيعية قد يؤجج نمو السرطان.
يقول نايلور “نظراً للدور الجديد المكتشف لــ Rac1 في إزالة الخلايا الزائدة أو الميتة و بذلك كبح حصول أي التهاب نعلم بأن الدراسة الحالية قد حددت ايضاً دور محتمل لـ Rac1 في سرطان الثدي لم يتم اكتشافه بعد”