تعتقد مجموعة من العلماء من معهد فرانسيس كريك (Francis Crick Institute) وجامعة كامبريدج (University of Cambridge) أن مجموعة من عمليات بايوكيميائية مهمة للحياة الخلوية على الأرض يمكن أن تكون قد نشأت من تفاعلات كيميائية حدثت على الأرض في مراحلها المبكرة قبل 4 مليارات سنة ماضية.
وقد وصف الباحثون مجموعة من التفاعلات الكيميائية في المختبر تماثل دورة كريبس (Krebs cycle) الضرورية للكائنات الحية اليوم، حيث قالوا في دراسة لهم نشرت في مجلة علم البيئة والتطور الطبيعي (Nature Ecology and Evolution journal) إن ذلك يمكن أن يفسر خطوة مهمة في كيفية تطور الحياة على الأرض.
لقد تطورت الحياة قبل 4 مليارات سنة على أرض بركانية قاسية خالية من الأوكسجين، لكنها ضمت محيطات كبيرة غنية بأيونات المعادن . وما زال هناك اهتمام كبير بكيفية تطور أشكال الحياة الأولى في هذه الظروف، وكيفية نشوء العمليات البايوكيميائية الضرورية لتعزيز الحياة من العدم.
إن الأيض (Metabolism) ضروري للحياة ، وهو مجموعة من العمليات التي نحصل من خلالها على الطاقة من الغذاء، فهي تنتج الجزيئات الحيوية التي نحتاجها في خلايا أجسامنا ، وتتشابه المسارات البايوكيميائية التي تقود هذه العمليات عند جميع الكائنات الحية بشكل كبير.
أحد هذه المسارات الأيضية الجوهرية التي يعرفها كل طالب أحياء مجتهد هو دورة كريبس ، ولكن السؤال المهم كيف نشأت هذه المجموعة المهمة من التفاعلات الكيميائية التي تحكم الإنزيمات كل خطوة فيها لأول مرة؟
إن كل خطوة في هذه الدورة ليست كافية بحد ذاتها ؛فالحياة تحتاج إلى تتابع هذه التفاعلات ، وهذه الحاجة قد كانت قبل أن توجد الأنزيمات ، فالأحماض الأمينية (Amino acids)، المكونات الجزيئية للإنزيمات، مصنوعة من نواتج دورة كريبس.
قال الباحثون : إن نموذجهم يعطي إجابة ؛ فقد قدموا مسارا أيضيا خاليا من الإنزيمات يشبه دورة كريبس، أطلقت شرارته بوساطة جسيمات تدعى جذور الكبريتات (Sulphate radicals)، وتحت ظروف مشابهة لتلك التي كانت على الأرض قبل 4 مليارات سنة.
قال المؤلف البارز د. ماركوس رالزر (Dr. Markus Ralser) – من معهد فرانسيس كريك وجامعة كابريدج: “ينشأ سلف دورة كريبس اللا إنزيمي الذي قدمناه تلقائيا، وهو معقول وفعال من الناحية الإحيائية، ومن الممكن أنه قد ساعد على إطلاق شرارة الحياة قبل 4 مليارات سنة ماضية.”
استخدم العلماء مركبات كربونية بسيطة موجودة في خطوات مختلفة في دورة كريبس ( التي تم العثور على مثل هذه المركبات مؤخرا في الأحجار النيزكية من قبل علماء ناسا) وقاموا بمزجها مع الحديد ومواد كيميائية تحتوي على الكبريتات يفترض أنها كانت موجودة في الرواسب في المحيطات الأولى.
قاموا بإجراء عملية مسح منظمة لحوالي 4850 تجربة مختلفة باستخدام تقنيات قياس الطيف الكتلي (Mass spectrometry)، باحثين عن تفاعلات شبيهة بتلك المشاهدة في دورة كريبس.
كان المزيج غير قابل للتفاعل في معظم الحالات. ولكن بوجود المركب بيروكسي دايسولفيت (Peroxydisulfate)، رصد الباحثون 24 تفاعلا كيميائيا، كانت شبيهة بتفاعلات دورة كريبس في الكائنات الحية.
يقول د.رالزر ” لقد قمنا بأخذ مكونات تمثل الرواسب التي وجدت على الأرض قبل 4 مليارات سنة ، ولم تحفز الأملاح التي كانت موجودة في الترسبات أي تفاعلات، لذلك ركزنا على أيونات المعادن وأنواع الكبريتات، وهذه معروفة بأهميتها في دورة كريبس في الخلية الحالية.” و”أجرينا عملية مسح كبيرة تتضمن آلاف القياسات ومن ثم عملنا على ذلك بشكل منهجي؛ فوجدنا في النهاية حالة لم يفكر فيها أحد من قبل، ربما ساعدت على ظهور دورة كريبس، حيث تعتمد على جذور الكبريتات.”
وتقترح فرضية بديلة لأصل الحياة أن الحمض النووي الرايبي (RNA) -جزيئة شبيهة بالحمض النووي DNA الذي يخزن المعلومات الوراثية لكنها وقتية وأكثر قابلية على التفاعل- يمكن أن يفسر الخطوات الأولى نحو الحياة. تعرف هذه بفرضية RNA-world hypothesis.
يقول د. رالزر: “هناك جدل علمي واسع بشأن فيما إذا كانت الخطوات الأولى نحو الحياة قد تمت بواسطة الأيض أو الوراثة.”
ويقول أن وجود جزيئات الـRNA لا يمكن أن يفسر بداية الأيض بسهولة، لأن الـRNA مكون من نواتج العمليات الأيضية. وتدعم نتائج مجموعة بحثه نظرية أن كيمياء البيئة تمكنت من بدأ عملية الأيض.
يستنتج د. رالزر: “حاول الناس لسنوات العمل على دورة كريبس بلا إنزيمات، ولكن لا بد وأنهم قد فكروا بذلك بطريقة نظرية أو فلسفية. قليلون هم من قاموا بتجارب فيزيائية منهجية كتلك التي تحدثنا عنها. المحفز اللا إنزيمي لدورة كريبس موجود ونحن قد عثرنا عليه.”