التلوث الكيميائي في أعماق المحيطات
23 مارس، 2017
البيئة و علوم الأرض
إنَّ التلوث الكيميائي في أعماق المحيطات لم يَدَعْ حتى الحيوانات المائية هايرونديلا كيكاز (Hirondellea gigas ) وهي نوع من القشريات التي تعيش في الكهوف العميقة من المحيط , فقد وجدت مُصابةً بالتلوث العضوي المستمر , فنحن البشر أينما نذهب نخلف وراءنا كميات كبيرة من الملوِثات ، ويبدو ان هذا الفعل ينطبق حتى على الأماكن التي لم نقم بزيارتها ، فها هي الأجزاء غير المكتشفة من الكهوف العميقة في المحيطات على عمق ١٠كيلومتر (٦ميل) والتي تعيش فيها هذه القشريات قد وجدت ملوثة بدرجة عالية بمخلفات الصناعات الكيميائية . وعلى الرغم من ارسال العديد من البعثات الى المناطق العميقة من المحيطات الا ان اغلب كهوف ماريانا (Mariana) وكيرماديك (Kermadec) لم يتم استكشافها حتى الان من قبل البشر ولم يُرسِلوا إليها أيٍّ من آلياتهم . وكانت النتائج مرعبة عندما قام الدكتور الآن جيمسون من جامعة ابردين (Aberdean university ) بجمع مُزْدَوِجات الارجل (نوع من انواع القشريات الحيوانية) على عمق 4.٥ -٦.٤ ميل باستعمال شِباك تم وضعها من قبل مسبار في عمق البحر . وبعد إجراء الفحوصات ، وجد ان جميع العينات ملوثة بالفينيل متعدد الكلور (PCBs) والايثر متعدد البروم الثنائي (PBDEs) وكلاهما يعد من الملوِثات العضوية المستمرة ، وهي مواد كيميائية مُنْتَجة من قِبَل الانسان . وتؤدي هذه الملوِثات الى اضطرابات في عمل الهرمونات داخل أجسام الحيوانات , وتتراكم أيضا داخل أجسام الكائنات المفترسة التي تتغذى على فرائس ملوَثة بتركيز اقل في عملية تدعى بالتراكم البايولوجي. وقد تم استعمال الفينيل متعدد الكلور (PCBs) أول الأمر كسوائل عازلة للكهرباء في ثلاثينيات القرن المنصرم , ثم قَلَّ استعماله تدريجيا في السبعينيات وذلك لخطورته على البيئة . لكن قبل ذلك ، تم انتاج (١.٣) مليون طن منه وبما انه لا يتحلل بواسطة الطبيعة وبسبب التهاون في الاجراءات وعدم اتخاذ ما يلزم للحد من انتاج هذه المادة وتدميرها ، فقد تسببت مكاب النفايات والطرق الخاطئة المتبعة في التخلص من المواد الكهربائية بترشيح المزيد من هذه المادة لتتخذ طريقها نحو البحر . ثم كان الوضع الأسوء مع ال (PBDEs) الذي استخدم كمثبط للاشتعال ، وعلى الرغم من قيام السلطات بمنع انتاجه الا ان الانتاج لم يتوقف ، لذا قام الاتحاذ الاوربي وكاليفورنيا بحظر بعض صناعات ال (PBDE) . اما في مجال علم البيئة والتطور ، فقد قام جيمسون باعداد تقريره الذي تحدث فيه عن التراكيز العالية ل (PCBs) (الفينيل متعدد الكلور) في القشريات التي تعيش في كهف ماريانا ، فالتراكير تقدر ب (905ppb) (ال ppb هي وحدة قياس التراكيز ) ، وحتى عند حساب التركيز لاعمق عينة من القشريات فقد كان التركيز هو (250ppb) (وزن صافي) . وقد ورد في التقرير: “(في الماريانا ، كانت مستويات التلوث بال (PCBs) اكبر خمسين مرة من التلوث الحاصل في حقول الأرز التي يتم تغذيتها من نهر لايهو (Liaohe) , الذي يعد واحدا من اكثر الانهار تلوثا في الصين . “إنَّ مصدر التلوث ليس واضحا الا انه يُعتَقَد أنَّها ناتجة من الملوِثات العضوية الثابتة التي تُنْتَج عند معالجة المخلفات والقائها في المحيط الهادئ. إنَّ كهف كيرماديك في جنوب المحيط الهادئ يمتاز بموقعه الذي يُعَدُ ابعد بقعة عن مصادر التلوث الصناعي في الكرة الارضية ، ولذا فليس مفاجئا ان تكون نسب التلوث بمادة (PCB ) اقل بكثير من نسبها في الماريانا لكن التلوث بال (PBDE) كان بتراكيز اعلى في الكيرماديك منه في الماريانا . وعلى الرغم من ذلك فلا يزال التلوث فيه يعد قليلا مقارنة بالمياه الساحلية . ولا نعلم حتى الان مدى الضرر الذي تُلْحِقُهُ هذه التراكيز من (PCB) على الحياة في عمق المحيط ولا نعلم الى متى سيستمر هذا التلوث ؟ لكنه من الواضح ان الانثروبسين (Anthropocene) قد غطى الكوكب باكمله .
ترجمة : Abdullah M Al Dabbagh
التدقيق اللغوي : علي لفتة البازي
التصميم : Hussein Talib
المصدر : هنا