جاك مادن
ترجمة: حسين طالب
كان أبيقور (341 قبل الميلاد – 270 قبل الميلاد) فيلسوفاً يونانياً قديماً اعتقد أن الحياة الخيرة تتسم بالمتعة في الأساس. واعتقد أن الحياة تدور حول الشعور بالسعادة، ولذا يتعين علينا أن نفعل الأشياء التي تجعلنا نشعر بالسعادة. من السهل أن نستهزئ بهذه الصورة التبسيطية، ولكن “الحياة لا تقتصر على الأكل والشرب والمرح! لدينا واجبات! ولدينا إمكانات يجب أن نستكملها!”. إن أبيقور يتفق مع هذا الرأي فبينما أصبحت كلمة “أبيقوري” الحديثة تعني الشخص الذي يدافع عن المتعة الحسية، فإن فلسفة أبيقور الحقيقية لا تدور حول اللهو الذي لا ينتهي. إن المتعة بالنسبة للأبيقوري الحقيقي غنية ومتعددة الطبقات ولها تسلسل هرمي.
ويعتقد إبيقور أن المتعة الأكثر أهمية على الإطلاق هي الطمأنينة، والتي تعني حرفياً “عدم الاضطراب”. كما يقول في رسالته إلى مينوسيوس:
“عندما نقول إن اللذة هي الغاية، فإننا لا نعني بذلك ملذات الخلاعة الحسية، كما يفترض بعض الذين هم إما جهلاء أو يختلفون معنا أو لا يفهمون، ولكن نعني بها التحرر من الألم الجسدي ومن متاعب العقل.”
وبدلاً من البحث عن المتعة النشطة قصيرة الأمد، يهتم أبيقور أكثر بمساعدتنا على تأمين المتعة طويلة الأمد، مثل الحصول على جسد خالٍ من الألم الجسدي، وعقل خالٍ من الخوف والقلق.
هذا ما تتضمنه الحياة الخيرة، كما يعتقد أبيقور: الطمأنينة والهدوء.
إن تبديد ما يزعجنا في حالة الطمأنينة ـ أي الخوف والقلق ـ لابد وأن يكون أحد أهدافنا الرئيسية، وهو أمر تستطيع الفلسفة أن تساعدنا فيه. ومن خلال الاستخدام الدقيق والسليم للعقل، يريد إبيقور أن يثبت أن العديد من مخاوفنا وقلقنا لا أساس لها من الصحة. بمعنى آخر: لدينا بالفعل كل ما نحتاجه لنعيش حياة سعيدة وهادئة، لكننا نرتكب أخطاء بشأن ما هو مهم أو حقيقي، وهذه الأخطاء تقودنا إلى الضلال. ويرى أبيقور أنه من خلال ممارستنا للفلسفة كعلاج، يمكننا أن نخلص أنفسنا من العديد من آلام الحياة. ومن الأمثلة المهمة التي يركز عليها إبيقور هي مخاوفنا من أن تحدث لنا أشياء مروعة ومؤلمة كثيرة. ويؤكد إبيقور أننا نستطيع أن نخفف من هذه المخاوف من خلال فحصها فلسفياً.
الأشياء التي قد تؤذينا في الواقع من السهل تحملها
رد أبيقور على فكرة أن الكثير من الأشياء المؤلمة المروعة قد تحدث لنا بطريقة عملية إلى حد ما:
“ان الألم الجسدي المستمر لا يدوم طويلاً. بدلاً من ذلك، يستمر الألم الشديد لفترة قصيرة جداً، وحتى الألم الأقل شدة لا يستمر لعدة أيام في وقت واحد. حتى الأمراض المزمنة تسمح بفترات من الراحة الجسدية تتجاوز مشاعر الألم.”
إن الألم الجسدي، وإن لم يكن ممتعاً تماماً، من الممكن تحمله. وعندما يكون الألم شديداً، فإنه لا يدوم عادة طويلاً، وإذا استمر لفترة طويلة، فإنه لا يكون شديداً إلى هذا الحد. (ويضيف إبيقور بمرح إذا كان الالم شديداً واستمر لفترة طويلة، فإنه يؤدي عادة ما إلى الموت ــ وهو أمر لا يدعو للقلق أيضاً، لأن الألم سوف يتوقف بعد ذلك).
بالطبع، هذا لا يعني أن الألم الجسدي مرحب به في الحياة الأبيقورية، ولا يعني أنه ليس بالأمر الجلل: الحياة الخيرة هي الحياة التي تعظم المتعة وتقلل الألم.
كل ما يريد ان يقوله أبيقور هو أن حقيقة الألم الجسدي غالباً ما تكون مختلفة تماماً عما نتخيله -في الواقع، فنحن نعاني في خيالنا أكثر مما نعاني في الواقع: إن خوفنا من الألم الجسدي المستقبلي يسبب لنا ضرراً أكبر من الألم الجسدي نفسه.
يعتقد إبيقور أن الألم الجسدي ليس الشيء الوحيد الذي يقلقنا كثيراً فقد نشعر بالقلق من الأذى الذي قد يلحق بأحبائنا، أو من فقدان سبل عيشنا، أو حتى أشياء صغيرة نسبياً مثل قول الشيء الخطأ في موقف اجتماعي.
في كل هذه الحالات، فإن كمية الألم النفسي الذي نمر به في مخيلتنا تفوق حقيقة الألم الذي نواجهه بالفعل في حياتنا اليومية.
إذا أردنا تقليل الضرر في حياتنا، فإن أبيقور ـ الذي كتب منذ ما يقرب من 2500 عام ـ يحذرنا من أن علينا أن نركز معظم جهودنا على أذهاننا.
في هذا المجال، يشترك مذهب أبيقور في الكثير من القواسم المشتركة مع الحكمة العملية للرواقية (مثل ثنائية السيطرة)، وإلى حد ما مع البوذية (مثل الحقائق النبيلة الأربع).
كتب الفيلسوف الرواقي سينيكا، بعد قرنين من أبيقور: هناك أشياء … من المرجح أنها تخيفنا أكثرمن تلك التي تسحقنا؛ نحن نعاني في كثير من الأحيان في خيالنا أكثر من الواقع.
بطبيعة الحال، فإن الموافقة على هذه الرؤية أسهل بكثير من القيام بأي شيء بشأنها: فأدمغتنا البارعة والمصممة للبقاء على قيد الحياة لديها طرق لاستحضار المخاطر المتخيلة لنا سواء أحببنا ذلك أم لا.
لكن ربما يكون لهذا الأمر فوائد في بعض الأحيان: إذ يمكننا أن نتوقع الصعوبات المستقبلية وبالتالي نعد أنفسنا ذهنياً لمواجهة هذه الصعوبات. وإذا استخدمنا خيالنا بهذه الطريقة المدروسة والتحضيرية ـ رؤية المواقف المستقبلية بوضوح، والتخطيط لردود أفعالنا بعقلانية ـ فإن أتباع المذهب الأبيقوري والرواقي يؤيدون هذا.
ولكن في كثير من الأحيان، قد يهرب هذا التوقع منا ويؤدي إلى قلق شديد يشل العقل فنتخيل أسوأ السيناريوهات وأسوأ العواطف التي قد نعيشها نتيجة لذلك بدلاً من ايجاد الحلول.
المشكلة هنا هي أنه على الرغم من أن المواقف متخيلة، فإن المشاعر حقيقية: فنحن نسبب لأنفسنا ألماً نفسياً حقيقياً من خلال الوقوع في حلقة من أسوأ السيناريوهات.
كل ما يمكننا فعله في مثل هذه المواقف هو محاولة تذكر وتطبيق نصيحة أبيقور، ورؤية تلك المخاطر المتخيلة على حقيقتها: هي متخيلة فحسب.