التعريف الحديث لتعبير ( سفسطة ) , حجة خادعة تستخدم لخداع شخص ما . كان السفسطائيون طبقة من المعلمين الذين تخصصوا في استعمال أدوات الفلسفة و علم البلاغة لغرض التعليم خصوصا لطبقة رجال الدولة و الشبان النبلاء . وممارسة عملية اخذ المال مقابل التعليم والتزود بالحكمة أدت إلى إدانات سقراط لهم (من خلال أفلاطون في حواراته طبعا ) . لذلك صوروا كمخادعين ومضللين في التعريف الحديث للسفسطة . واصل كلمة سفسطة يعود للإغريق ( أنا حكيم ) و ( رجل حكيم ) فكان تعبير سفسطة منذ زمن الشاعر هوميروس يستعمل في وظائفهم لوصف أي شخص لديه الخبرة في مجال معين وحرفة معينة على سبيل المثال قائد العجلة الحربية والنحات والمقاتل البارع يمكن أن يوصف كـ سفسطائي sophoi . و بشكل تدريجي جاءت الكلمة للدلالة على المعرفة العامة خصوصا في الشؤون الإنسانية لاسيما في السياسة والأخلاق والإدارة البيتية . وهذا المعنى كان منسوبا لليونانيين الحكماء السبعة أمثال زولن وطاليس في القرن السابع والسادس قبل الميلاد وظهر في تواريخ هيرودوت (histories of Herodotus ) .
في النصف الثاني للقرن الخامس قبل الميلاد جاءت كلمة سفسطائي للدلالة على طبقة المثقفين المتجولين الذين يدرسون الفصول الدراسية في شتى المواضيع كالتفكير في طبيعة اللغة والثقافة مستخدمين بذلك الخطابات في تحقيق أهدافهم وإقناع الجمهور . وبعض من السفسطائيين ادعوا بأن يجدوا الأجوبة لكل الأسئلة . ومعظم هولاء معروف اليوم من خلال كتابات معارضيهم خصوصا (أفلاطون وأرسطو ) فمن الصعب أن تجد وجهة نظر محايدة وغير متحيزة لممارساتهم و معتقداتهم . وبسبب أهمية مهاراتهم في الحياة الاجتماعية في اثينا أصبحوا مهنيين ومعلمين بأجور عالية في اغلب الأحيان .
ينقسم السفسطائيون إلى ثلاثة فرق “( أولها ) اللاادرية , وهم القائلون بالتوقف في وجود كل شيء وعلمه , (وثانيها) , العنادية وهم الذين يعاندون ويدعون أنهم جازمون بأن لا موجود أصلا ، كأن الحقائق عندهم سراب يحسبه الظمآن ماء وليس لها ثبوت , و (ثالثها ) العندية , وهم القائلون أن حقائق الأشياء تابعة للاعتقادات دون العكس. )” ( المعجم الفلسفي : جميل صلبيا , السفسطة ج1 ص:658)
أن شكوك السفسطائيين بوجود الآلهة وأدوارها التقليدية , وتفحص طبيعة السماء والأرض أثارت ردة فعل شعبية ضدهم . كما أن هجوم بعض من أتباعهم ضد سقراط لاقى إدانة كبيرة من أتباع سقراط , بينما كانت هناك وجهة نظر شعبية حول سقراط كسفسطائي . تلك المواقف , إلى جانب الأموال التي حصل عليها بعض من السفسطائيين أدت في النهاية إلى استياء شعبي ضد ممارساتهم وأفكارهم . ولم يكن لدى سقراط موقف معارض تجاه السفسطائيين وفي احد حواراته يصرح سقراط بان السفسطائيين كانوا أفضل المربين وأكد ذلك من خلال إرساله احد طلابه للدراسة على يد احد السفسطائيين . وغوثري (W. K. C. Guthrie ) في كتابه تاريخ الفلسفة الإغريقية صنف سقراط كسفسطائي. في حين أفلاطون احد طلاب سقراط وفي العديد من حواراته يصور أستاذه يدحض السفسطائيين . و أفلاطون هو المسؤول بشكل كبير عن وجهة النظر الحديثة هذه عن السفسطائي كمعلم طماع يستعمل خفة اليد البلاغية واللغة الغامضة من اجل الخداع أو دعم فكرة باطلة . وجهة النظر هذه هي أن السفسطائي لم يكن مهتما بالحقيقة والعدالة أكثر من السلطة . فكل من سقراط وأفلاطون وأرسطو ضد مؤسسات السفسطائيين الفلسفية .
بعض العلماء مثل اوجو (Ugo Zilioli ) يجادل بأن السفسطائيين حملوا وجهة نظر نسبية عن الإدراك والمعرفة . فكانت فلسفتهم في نقد الدين والقانون والأخلاق . علاوة على ذلك كان بعض من السفسطائيين دينيين والبعض منهم حمل وجهات نظر الحادية أو لا أدرية (على سبيل المثال، بروتاجوراس و دياغوراس من ميلوس ) . ويعتبر بروثاغوراس أول من فكر في قوانين النسبية ويعتبره البعض هو الملهم لأينشتاين. و تنص نظريته في النسبية (أن قيمة الأشياء نسبية فليس هناك شيء خير في نفسه أو شر في نفسه وإنما هو خير أو شر وعدل وظلم ).
سافر العديد من السفسطائيين حول العالم، وأدركوا أن كل مجتمع كان لديه القواعد الأخلاقية المختلفة إلى حد ما. فأقتنع الكثير منهم أن الأخلاق نسبية، لا توجد حقائق أخلاقية مطلقة .
السفسطائيين والسياسة
كانت الأدوار الاجتماعية الحضارية التي شغلها السفسطائيون لها نتائج مهمة على النظام السياسي الأثيني بشكل عام . فالسياق التاريخي , يزودنا بدليل عن تأثير السفسطائيين الكبير , حيث كانت أثينا ديمقراطية أكثر فأكثر أبان الفترة التي كان فيها السفسطائيون نشطين . بالتأكيد لم يكن السفسطائيون المسؤولين بشكل مباشر عن الديمقراطية في أثينا , لكن مساهماتهم الثقافية والنفسية لعبت دورا مهما في نموها وترسيخها في المجتمع ألأثيني . جزء من مساهمتهم في الديمقراطية , هي من خلال تبنيهم للحنكة في المشاورات العامة بصنع القرار , والتي سمحت بتحمل معتقدات الآخرين . هذا الموقف التحرري طبيعيا عجل بظهور الجمعية الأثينية _ مجلس النواب _ كما اكتسب السفسطائيون جمهورا وأتباعا ذوي نفوذ كبير . ويعتبر السفسطائيون من الحركات الفكرية التي تعرضت للاضطهاد والتشريد والقتل كونها كانت تخدم طبقة الفقراء والضعفاء . ومن أشهر السفسطائيين الديمقراطيين الذين قتلوا هو هيبياسي الذي حكم عليه بالإعدام . و بروتاجوراس الذي وضع القوانين الإغريقية في فترة النشاط السفسطائي ابان الحكم الديمقراطي , و أحرقت مكتبته وبيته وحكم عليه بالإعدام , كذلك بروديقوس الذي اتهم بتحريض الشبان وإفساد عقولهم و حكم عليه بالإعدام بجرعة سم .
يقول الدكتور علي الوردي ” أن الفكر البشري قد خسر خسارة كبرى بموت السفسطة وانتصار المنطق الأفلاطوني . لو كانت السفسطة باقية تدعو إلى منطق النسبية والتغيير, كما كانت تفعل قديما , لربما رأينا المجتمع البشري على غير ما هو عليه اليوم . ” ( علي الوردي , مهزلة العقل البشري ص 165).
تحميل الملف
المصادر:
1_Socrates and Sophistry Richmond Journal of Philosophy 9 (Spring 2005) Keith Crome
2_ http://ethicalrealism.wordpress.com/…/the-difference-between- sophistry-philosophy
4_مهزلة العقل البشري د. علي الوردي
5_ المعجم الفلسفي جميل صلبيا ج1