الدراسات الأخيرة أكدت الدور الحاسم للهومو سابينس (Homo sapiens) في انقراض ابن عمومته البعيد
«النياندرتال Neandertal هو أكثر الأنواع الإنسانية التي أسيء التعامل معها في تاريخ الباليو- أنطولوجيا» كما يؤكد yves coppens. النياندرتال الذي كان أول نوع إنساني متحجر مُكْتَشَفٍ لعب دورا أساسيا في تاريخ اكتشاف قِدَمِ الإنسان وتطوره. لكن بجمجمته الممدودة، وجبهته المنخفضة، كان، بانتظام، موضوع اتهام بسبب شكله، وموضوع تمييز عنصري بأثر رجعي: «أحيانا تم تحقير النياندرتال بوصفه متوحشا، وبوصفه “الآخر” l’Autre، وتم اعتباره أحط منزلة منا، وأحيانا أخرى تم الإعلاء من شأنه، كما تلخص الأمر maryléne patou mathis باليو-أنطولوجية بالمتحف الوطني للتاريخ الطبيعي بباريس. لكن النياندرتال لا زال يبهرنا، كما تشهد بذلك المقالات العلمية الإشكالية الأخيرة، أو المؤلفات التبسيطية التي خُصِّصَتْ له». يضاف إلى هذا السؤالُ المؤلم : هل كان نوعنا الإنساني المعاصر مسؤولا عن اختفاء ابن عمومتنا البعيد، المنحدر هو الآخر عن الهومو إريكتوس Homo erectus ؟ هل قام بالقضاء عليه بعد وصوله إلى أوربا؟ إلى حد الآن لا يوجد موقع يرتبط بعصور ما قبل التاريخ يدعم الأطروحة القائلة بوجود حرب، أو إبادة جماعية، أو حتى كانيبالية (أكل لحوم البشر) على نطاق واسع.
رغم ذلك هناك شيء أكيد، فالتعايش بين الهومو سابينس والنياندرتال، الذي دام بضعة آلاف من السنين، لم تكن نهايته سعيدة. وعلى خلاف الفكرة التي تم الدفاع عنها قرابة عقد من الزمن، فإن المناخ لم يكن له دخل في انقراض النياندرتال. في الواقع أوضحت دراسة نُشرت سنة 2008 في دورية PLOS One أن النياندرتال استطاع المقاومة أمام الانجرافات الجليدية، وتدهور المناخ الذي ضرب بقوة في أوربا منذ 35000 سنة إلى 40000 سنة: «فإذن إنها المنافسة مع الكرومانيون Cro Magnon، هؤلاء السابينس الذين وطؤوا أرض أوربا منذ حوالي 40000 سنة، هي التي تفسر انقراض النياندرتال» كما يؤكد ذلك في هذه الدراسة كل من Francesco D’Errico من جامعة بوردو Bordeaux وزملاؤه في المركز الوطني للبحث العلمي CNRS وفي المعهد الوطني للأبحاث الأركيولوجية الوقائية Inrap وفي جامعة فرساي سان كوينتين Université de Versailles Saint-Quentin وفي جامعة كنساس University de Kansas .
في الواقع، استطاع هؤلاء الباحثون بمساعدة برنامج الكتروني، تحديد المناطق التي استوطنها الهومو سابينس الأوائل الذين قدموا إلى أوربا، وتحديد المناطق التي كان يتواجد بها آخر أفراد النياندرتال، واستطاعوا هكذا فهم دور كل عامل مناخي (درجة الحرارة، التساقطات) في التوزيع الجغرافي الخاص بكل من السابينس والنياندرتال -في البداية- تمكن البشر المعاصرون، وقد كانوا معزولين في النواحي القريبة من ضفاف وادي الإيبر l’Èbre باسبانيا، من الانتشار في كامل شبه الجزيرة، مستغلين ارتفاع درجة الحرارة. وكان النياندرتاليون في الجنوب آخر من كان يجب أن ينقرض، على اعتبار أنهم كانوا محميين من المنافسة المباشرة بفترة باردة، والمفترض خلال هذه الفترة أن كلا من البشر المعاصرين والنياندرتال كانا يستغلان مناطق مختلفة. لكن في النهاية لم تكن المنافسة في صالح النياندرتال، وهذا الأخير، من جهة أخرى، كان يتبع نظاما غذائيا غنيا باللحوم، ويعيش حياة صيد محفوفة بالمخاطر حسب الباثولوجيين (الأخصائيون في علم الأمراض) الذين قاموا بتحليل إصاباته وكسوره. في النهاية: «كانت للهومو سابينس خصوبة مرتفعة كما توضح الباحثة maryléne patou – mathis. عندما وصل الإنسان المعاصر (إلى أوربا) كان للنياندرتاليين توجه نحو تغيير المنطقة التي كانوا يتواجدون بها، وكلما تحركنا (هاجرنا) أكثر كلما كان لدينا أطفال أقل».